بدأت رواسب الاوبئة التي تركها تنظيم "داعش" والتنظيمات الارهابيّة تعطي مفعولها في أوروبا. فبعد ان شوّهت هذه التنظيمات صورة الاسلام الحقيقية من خلال "الفظائع" التي ارتكبتها بحق الجميع بمن فيهم من يؤمن بالاسلام، اخذ وباء الخوف والقلق الذي زرعه "داعش" واشقاءه في الاجرام يتسلل الى نفوس الاوروبيين في اكثر من مجال.
فبعد "البرقع" والمخاوف التي اثارها والقرارات التي صدرت في بعض الدول لجهة منع ارتدائه وما اثاره من مواقف متناقضة، ها هو "البوركيني" يطل برأسه في اوروبا، حيث كانت فرنسا السبّاقة في منع ارتدائه على الشواطىء، فيما تبرز الدعوات في المانيا للقيام بخطوة ممثالة، وتتجه دول على غرار بلجيكا للتمثل بفرنسا.
فعلياً، لا يمثل "البوركيني" أي تهديد للانسان، فهو قطعة من القماش كأي قطعة ثياب، ولا يؤثر على صحة الانسان ولا على حياته، ولطالما كان موجوداً على الشواطىء الغربية ولم يثر اي احتجاج او مخاوف، ولكن اليوم بات له صورة اخرى.
يعتبر معارضوه انه يشجع على التطرف الاسلامي وعلى تأييد الافكار التي روّج لها "داعش" وغيره من الارهابيين والمجرمين، وبالتالي بات تواجده يذكّر بشناعة المشاهد التي ظهرت على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويثير المخاوف لدى رواد المسابح.
اما مؤيدو هذا اللباس، فيصرون على انه لا يشكل اي تهديد، وهو يشدد على ان الاسلام حريص على الاختلاط بالديانات الاخرى وفق المفاهيم العامة، دون الزامية فرض الدين على الآخرين من اي جهة كان، وانه صورة مغايرة تماماً للصورة التي روّج لها "داعش" والارهاب.
في السياسة تختلف المقاييس، فبالنسبة الى الفرنسيين الذين كانوا الاكثر معاناة في اوروبا من الهجمات الارهابية، وبالتالي فإن اي تدبير تتخذه السلطات الفرنسية، مهما كان "بسيطاً" من شأنه ان يحسّن صورتها لدى الرأي العام. وعلى الرغم من ان هذا الامر يهدد المجتمع الفرنسي بالانشقاق وبزيادة الهوة بين المسلمين وغيرهم، الا انه لن يتطور الى ما هو اكبر من ذلك. وتراهن الادارة الفرنسية على حوادث سابقة مماثلة للتشديد على ان الامور لن تتصاعد الى ما هو اخطر من بعض الانتقادات والاعراب عن الامتعاض، وقرار منع البرقع في بعض المدن الفرنسية خير دليل على ذلك.
كما تراهن فرنسا ايضاً على قضية المعاملة بالمثل لباقي الاديان في امور اخرى، ومنها على سبيل المثال اخلاء كنيسة القديسة ريتا في باريس منذ ايام، وبالقوة تمهيداً لهدمها. وهذا الامر بالنسبة الى المسؤولين الفرنسيين كاف لدحض اي اتهام باستهداف المسلمين من خلال القرارات التي تتعلق بالملابس، فتكون بذلك الادارة الفرنسية قد ارضت الراي العام دون المخاطرة بزيادة الشرخ مع المسلمين.
ولكن، ماذا لو تم تعميم المثال الفرنسي في اوروبا؟ قد يكون من المهم الاخذ في الاعتبار ان المسألة ستكبر ككرة الثلج، وسيستغل مؤيدو افكار الارهابيين هذه المسألة للقول بأن المسلمين يتعرضون لـ"حرب صليبية" تستهدف طريقة عيشهم تمهيداً لـ"الغائهم" من القارة الاوروبية، وقد يستتبع ذلك ردة فعل غير مضبوطة واستيقاظ خلايا نائمة قادرة على التأثير بالبعض ومعاودة عمليات التجنيد والدعوة الى "قتل الكفار" بأي طريقة ممكنة.
لم تعرف فرنسا في تاريخها حالاً مماثلة من "الضياع" والقلق كالتي تعيشها اليوم، فالمسلمون يشعرون انهم مهدّدون فيما غير المسلمين يتطلعون خلف اكتافهم بشكل دائم، والدولة عاجزة عن تأمين الطمأنينة للشريحتين.
لم يكن السلاح وحده دليل خطورة الارهابيين، بل الاخطر كان ولا يزال الافكار التي بثّوها في مختلف انحاء العالم والتي استقطبت العديد من الاشخاص من مختلف الدول، واذا كان القضاء على "داعش" يتم عبر العمليات العسكرية حالياً، فإن القضاء على خطورة "الفكر الداعشي" يستلزم جهداً اكبر ودقة متناهية في التعامل كي لا تتجه الاوضاع الى منحى مغاير، وهذا ما تواجهه فرنسا حالياً ومعها دول اوروبا. فهل سيكون الرهان الفرنسي في محله ام ان "البوركيني" سيتحول الى سلاح جديد في يد الارهاب ينطلق منه نحو المزيد من الاجرام والقتل ويزيد من تشويه صورة الاسلام والمسلمين عبر العالم؟