أُصيبت إسرائيل فـي روحها وقلبها وجسدها، فـي حرب تـموز، وفقدت ثقتها بقادتـها، وتـحطّم كبرياء جنرالاتـها وغطرسة جيشها الذي "لا يُقهر" أمام صمود جيشنا الباسل، ومقاومينا الأشاوس وشعبنا العنيد. وعلى الرغم من الـخسائر الكبيـرة التـي تكبّدها أبطالنا وشعبنا وبنيتنا التحتية، صمدنا، وفتحنا بيوتنا وصدورنا وقلوبنا لكلّ مَن تـهجّرَ وناضلَ وقاوم ...
إن الإنتصار الذي تـحـقّق فـي حرب تـموز والذي أهداه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى جـميع اللبنانييـن، كان يـجب أن يُوظّف فـي مصلحة جـميع اللبنانييـن، فهل إستفادت الـمقاومة من ذاك التلاحم النادر، وتلك الوحدة الوطنية الرائعة؟ الـجميع يتذكّر ما حصل عام 2008 ، قبل "الدوحة" وبعدها، وقبل حكومة سعد الـحريري وبعدها، وقبل "إعلان بعبدا" وبعده... ولكنّ كل الأفرقاء يريدون تـخطّي تلك الـمرحلة، وطيّ صفحة الـماضي الأليم، والعودة إلى روح التضامن والإلفة التـي تـجلّت بأبـهى صورها ومعانيها خلال العدوان الإسرائيلي.
كيف السبيل إلى إعادة إحياء هذه الروح الطيبة الـتي جـمعت اللبنانييـن ووحّدتـهم؟
لا شك فـي أن الـخلاف بيـن قسم كبيـر من اللبنانييـن و"حزب الله" عميق جداً، ويتشعّب حول أمور كثيـرة وجوهرية، أهـمّها: تعطيل نصاب إنتخاب رئيس الـجمهورية، قانون الإنتخاب، الإحتفاظ بالسلاح، التدخّل فـي الـحرب السورية، والـمحكمة الدولية. كل هذه النقاط مهمّة وشائكة، ولكن أهـمّها حالياً وأكثرها إلـحاحاً، إنتخاب الرئيس، وقانون الإنتخاب. ولا حلّ لـهاتيـن الـمشكلتيـن الـمستعصيتيـن، إلاّ بالتواضع، وعدم إستعمال الـمنابر الـخطابية لِفرض الـحلول، والتنازل بعضنا لبعض، وتغليب مصلحة الوطن على مصالـحنا الذاتية، واعتماد الـحلّ الذي لا يشكّل تـحدّياً واستفزازاً وانكساراً لأي فريق.
فـي الـموضوع الرئاسي، لِكي لا يبقى الفراغ ينتظر نتائج الـحروب السورية واليمنية والإنتخابات الأميـركية، والـمزاج السعودي-الإيرانـي، وبـما أنه يوجد إستحالة فـي إنتخاب العماد ميشال عون أو النائب سليمان فرنـجيه لأن إنتخابـهما مرتبط بـحسابات دولية وإقليمية، ومن أجل الـخروج من هذا الـمأزق الـمميت، بالإمكان إعتماد خطاب "حزب الله" فـي حزيران 2014، بعد شهر من الفراغ الرئاسي، وتبنّـي ما كان يردّده الشيخ نعيم قاسم: "نريد إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت مـمكن. لكن لنكن واضحيـن، كل الـمؤشّرات تدلّ على أن لا إمكانية لانتخاب رئيس من دون توافق، ونـحن نقول لكم: تعالوا لنتوافق لإنـجاز هذا الإستحقاق. إن الإصطفافات السياسية الـموجودة، تـمنع إنتخاب الرئيس، بسبب التوازن الـحاد والدقيق. لا 8 آذار تستطيع أن تأتـي برئيس ولا 14 آذار كذلك، ولا الذين يتموضعون فـي الوسط. إذاً، فإن زمن الشغور سيطول، والـحلّ هو بالتوافق لنتمكّن من إنتخاب رئيس، يكون قادراً على صياغة التفاهـمات الـمختلفة".
لقد صحّ ما توقّعه "الـحزب" أن لا إمكانية لانتخاب رئيس إلّا من خارج إصطفافات 8 و14 آذار، ولا إمكانية لـملء الشغور الرئاسي إلاّ برئيس توافقي.
إذاً، تعالوا أيها السادة لنعود إلى أصالتنا وشهامتنا ونكران ذواتنا، ولندَع مصالـح الدول خارج حدودنا، ونتوافق على رئيس لفتـرة إنتقالية من سنتيـن، ريثما ينقشع غبار الـمعركة الإقليمية، ويتثبّت الـمجلس النيابـي الـجديد. هذا الرئيس يُسمّيه البطريرك الـمارونـي (لـهذه الـمرة فقط) ويوافق عليه الـمرشحان العماد ميشال عون
والنائب سليمان فرنـجيه، رئيس من خارج كل الإصطفافات، ولا يشكّل إنتخابه تـحدّياً لأي فريق، ويـجب الإسراع فـي إختياره، وإلاّ فالـخراب ينتظرنا وعضّ الأصابع لن يفيدنا.
أما فـي موضوع قانون الإنتخاب، فيـجب أن يعتـرف الـجميع، وعن قناعة، إن ما يهمّ الـمواطن جدّياً، وفـي غياب الأحزاب والبـرامج الوطنية العابرة للطوائف، هو معرفةْ مَن ينتخب، ويدلـي بصوته بكل إقتناع إلى مرشّح يعرفه ويثق به، قبل أن يعطيه وكالة لأربع سنوات. فالـمرشّح الذي يعرفه الناخب ويـختاره بـحرّية واقتناع، سيمثّله فـي الـمجلس النيابـي أفضل تـمثيل، ويكون أكثر فهماً وإدراكاً لواقعه الإجتماعي، ويعبـّر عن هواجسه ومطالبه وطموحاته، ومهما تعالت أصوات "العلمانييـن" الـمزيفيـن، لا يـُمكن تأميـن التمثيل الصحيح والـمناصفة الـحقيقية للتمثيل الطائفي، بوجود خلل ديـموغرافـي يتزايد يوماً بعد يوم بيـن الـمسلميـن والـمسيحييـن إلاّ باعتماد الدائرة الفردية، أو "الدائرة الصغرى" ونظام "الصوت الواحد لـمرشح واحد"، أو "الـمشروع الأرثوذكسي". وكل ما عدا ذلك، هو تسلّط وهيمنة على القرار الـمسيحي الـحرّ. فالديـموقراطية الطوائفية التـي إرتضيناها وتوافقنا عليها، والتـي كرّست الـمناصفة بيـن الـمسيحييـن والـمسلميـن، لا يـمكن أن تتحقّق فـي نظام "نسبـي" أو "مـختلط" أو فـي لوائح فضفاضة ودوائر وسطى أو كبـرى، مهما حاول بعض "الأذكياء" تزوير الـحقائق.
أمّا، وبعدما وصلت اللجان النيابية الـمشتـركة إلى حائط مسدود، واقتـرب موعد الإنتخابات، وتكشّفت نوايا بعض السياسييـن فـي رغبتهم بإبقاء قانون الــ 60 السيء الذكر، إقتـرحنا على أولياء الأمر، وتـخفيفاً للضرر اللاحق بالـممثليـن الـحقيقييـن للشعب، حلاً وسطاً يُرضي معظم شرائح الـمجتمع، ولو لـم يكن مثالياً، وهو إجراء الإنتخابات على مرحلتيـن (حتى ولو كانت على قانون الستيـن): تـجري الإنتخابات فـي الـمرحلة الأولـى وفق نظام الدائرة الفردية، فالـمرشّح الذي يـحصل على 60 فـي الـمئة (مثلاً) من الأصوات، يفوز فـي دائرته وفـي القضاء، ولا حاجة لأن ينتقل إلى الـمرحلة الثانية، أما الذي لا يـحصل على النسبة الـمطلوبة، ينتقل مع أول الـخاسرين إلى الـمرحلة الثانية فـي القضاء (أو الدائرة الـمعتمدة فـي قانون الــ 60). أما فـي حال إتفق الـجميع على إعتماد النظام النسبـي (وهذا مُستبعد جداً) تُطبّق نفس الطريقة فـي تأهيل الـمرشحيـن. هذا التأهيل يؤمّن التمثيل الصحيح بـحدّه الأدنـى، ويـخفّف بعض الغبـن الذي أصاب الـمسيحييـن طوال ربع قرن وأكثر.
هذان الحـّلان "الوسطيان" للرئاسة وقانون الإنتخاب هـما أفضل الـممكن فـي الوقت الـحاضر، ونضعهما بتصرّف طاولة الـحوار التـي ستُعقد فـي 5 أيلول، آمليـن من زعمائنا أن يرأفوا بـهذا الشعب الذي كفر بكل شيء.
مـخـتـار الـجـديـدة
باحث وكاتب سياسي