يطلق على لبنان إسم "مستشفى الشرق" نظرا لجودة الخدمات الطبية المتواجدة فيه، ولكن ينقصه ما يسمى باللامركزية الطبية، اذ ان المستشفيات المجهّزة والمتطورة والقادرة على استقبال الحالات الصعبة تتواجد في عاصمته بيروت، ما يجعل المريض أمام تحمّل مشقة التوجه اليها من الأطراف للحصول على الخدمة المطلوبة. ولكن ما حصل في طرابلس منذ ايام قد يغيّر من حقيقة هذا الواقع.
حقّق الفريق الطبي في مستشفى "النيني" في طرابلس إنجازا طبيا تمثّل في إجراء أول عملية زرع مضخّة للقلب تجري في الشمال، ليؤكد بهذا النجاح ان المستشفيات في المناطق اللبنانية قادرة على مجاراة مستشفيات العاصمة اذا ما توافرت الامكانات الماديّة لها، كما يؤكد الطبيب الذي شارك في العملية رائد عثمان لـ"النشرة".
يبلغ المريض أحمد حسين 64 عاما، ويعاني من ضعف شديد في عضلة القلب اليسرى المسؤولة عن ضخ الدماء النظيفة الى الجسم، ما يضعه بعد استنزاف "الحل الدوائي" أمام خيارين حسبما يقول الدكتور عثمان، فالحلّ الأوّل هو زرع قلب بشري والثاني هو الاستعانة بالقلب الاصطناعي أو ما يعرف بالمضخّة. ويضيف عثمان: "يعاني المريض قبل العملية من صعوبات كبيرة في استمرار حياته فالادوية لا تعود تنفع وتمتلىء رئتاه بالمياه ويعاني من صعوبة في التنفس، مما يجعل التدخل الجراحي حلا ضروريا لا بد منه"، مشيرا الى ان عملية زراعة قلب جديد هي حلّ صعب نظرا لصعوبة تأمين القلب المناسب، مما يجعل المضخة هي الحل الأنسب.
ان سلامة الجزء الأيمن من القلب هي شرط اساسي لتركيب المضخّة في الجانب الايسر المتضرّر، لذلك لا بدّ للمريض ان يتابع حالته جيدا وألاّ يهمل "قلبه. ويتابع الطبيب: " تُركّب المضخّة بالبطين الايسر وتصبح مسؤولة عن سحب الدم النظيف وتضخّه الى الجسم عبر الشريان الأبهر، ويتم وصلها عبر سلك بالجهاز المسؤول عن مدّ المضخة بالطاقة أو ما يعرف بـ"البطارية" خارج الجسم"، مشيرا الى ان الآلة لديها 4 بطاريات، تعمل واحدة منها وتكون الثانية للاحتياط ويتم تشريج اثنتين، على ان تكون مدة عمل كل واحدة 6 ساعات.
صعوبة الجراحة
تكمن صعوبة العمليّة بداية باختيار المريض المناسب والقادر على تحمل المضخّة داخل جسمه. ويشير عثمان الى ان "الجراحة بحدّ ذاتها بحاجة لتقنية عالية وصعبة، إضافة الى متابعة المريض في قسم العناية وهنا يصبح الدور لأطباء الإنعاش، كذلك تكمن الصعوبة بواجب المتابعة مستقبليًّا، وأهمية المواظبة على الأدوية بنسب محددة ودقيقة للغاية". والى جانب الصعوبات التقنيّة تكمن المالية منها، حيث تكلف الجراحة ما يقارب الـ150 الف دولار أميركي، نظرا لارتفاع سعر المضخّة. وهنا يشكر الطبيب عثمان الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة والمستشفى وأهل المريض الذين تحمّلوا مجتمعين كلفة العملية.
أما بالنسبة للإنجاز الذي تحقّق في الشمال، يؤكد عثمان أن طبيبا واحدا لا يستطيع القيام بهذه المهمّة فهي تستوجب فريقًا طبيًّا متكاملا من جرّاح مميّز الى طبيب الانعاش والتخدير، مشيرا الى ان إدارة المستشفى قدّمت كل التجهيزات اللازمة لتحقيق هذا الإنجاز، اضافة لجهود الأطباء أحمد رشيد الأيوبي، جهاد يوسف، محمود صلاح وفريقه، والدكتور حنا جرجس.
أثبتت الدراسات ان المضخّة قادرة على العمل داخل جسم الانسان لفترة تفوق العشر سنوات اذا ما تم الاهتمام بها كما ينبغي، وأثبتت التجارب اللبنانية ان من بين أطبائنا من يستطيع بلا شك تحقيق الانجازات اذا ما توافرت له البيئة السليمة، لذلك لا بد للمستشفيات البعيدة عن العاصمة بيروت ان تتجهّز بمساعدة وزارة الصحة المسؤولة عن تجهيز الحكومية منها ورعاية المستشفيات الخاصة.