يكافح الأكراد بقومياتهم التركية والعربية والإيرانية لتأسيس دولة "كردستان الكبرى"، ويبدلون تحالفاتهم من دولة إلى أخرى للعبور إلى دولتهم المستقلة. في قراءة تاريخية لواقع الأكراد، يتبين أنهم لم يُنصفوا أو يُعطَوا حقوقهم إلا في الحكم الإسلامي، وأن الطعنة الكبرى التي تعرضوا لها كانت من الدول الغربية (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا) أو ما عرف بمعاهدة "سايكس - بيكو"، والتي ارتكزت على القرار الذي اتخذه الحلفاء عام 1919، والذي ينص على أن "الحلفاء والدول التابعة لهم اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية"، وفي معاهدة سيفر 1920 تمّ وضع الخطوط العريضة لدولة كردستان المقتطَعة من الأراضي التركية فقط (وأخرجت أكراد إيران وكذلك أكراد العراق وسورية اللتين تسيطر عليهما كل من بريطانيا و فرنسا) وتم إلغاؤها لاحقاً في معاهدة لوزان.
المشكلة أن الإخوة الأكراد يتعاملون مع جلاديهم الغربيين وصولاً حتى العدو "الإسرائيلي" ضد مواطنيهم العرب في العراق وسورية، والذين شاركوهم العذاب والتهميش من قبَل الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي، ويحاولون اقتناص اللحظة الحرجة في تاريخ سورية والعراق الوجودي، والمهددتين بالتقسيم بسبب العدوان الأميركي العالمي عليهما بأيادي التكفيريين، فيمارسون الابتزاز السياسي والمالي والميداني في عملية قرصنة كبرى، مستغلين انخراط الدولتين السورية والعراقية بردّ العدوان التكفيري - الغربي.
لقد طوّر الأكراد الحكم الذاتي في كردستان العراق حتى الدولة المستقلة، ويشاركون بقية العراقيين الحكم برئاسة الجمهورية، ويغدرون بالعراق الموحّد؛ فتحت عناوين قتال "داعش" يوسّعون رقعة إقليم كردستان، ويفرضون أمراً واقعاً، بالتعاون مع أميركا وحلفائها، ويكررون الأمر ذاته في سورية ضد الجيش السوري وحلفائه، وهو الذي دعمهم بالسلاح وما يحتاجون إليه للصمود أمام هجوم "داعش"، ولما آنسوا القوة في أنفسهم انقلبوا على الجيش السوري والعشائر العربية، بممارسة العنصرية والتهجير، لإقامة المناطق الكردية النقية، وإعلان الحكم الذاتي في سورية.
يتصرف الأكراد وكأن الحرب قد انتهت، أو أن الدولتين السورية والعراقية شُطبتا وأن الأميركيين سيمنحونهم الحماية، وأن "كردستان الكبرى" شارفت على الولادة.. تلك هي أحلام الأكراد المغامرين والساذجين الذين يصدّقون أميركا ويرغبون بتحقيق طموحاتهم الشخصية، لكن نذكرهم بالآتي:
1- هل يستطيع الأكراد الصمود أمام تحالف دول أربعة هي تركيا وسورية وإيران والعراق، والتي تعتبر قيام كردستان الكبرى تهديداً مباشراً لها؟
2- هل يستطيع الأكراد حكم دولة محاصَرة ومستنزَفة ومغلقة على نفسها بدون أي منفذ بري أو بحري؟ وكيف ستعيش؟
3- هل يأمن الأكراد لحماية الأميركيين الذين يتركون حلفاءهم عندما تتضارب مصالحهم مع مصالح الآخرين؟ وهل نسي الأكراد ماذا فعل الأميركيون بصدام حسين وحسني مبارك وشاه إيران وغيرهم؟
4- هل يتحمّل الأكراد المسلمون - العرب في سورية والعراق أن يكونوا "إسرائيل" ثانية في الوطن العربي، لتستغلها أميركا بعد العجز والفشل "الإسرائيلي"؟
نطرح هذه الأسئلة لإيقاظ الوعي والعقل الكردي، من أجل مستقبل الأكراد والعرب في أمتنا، فلا نريد أن نتخلّص من "داعش" وأخواتها لننتقل للقتال مع بعضنا بعضاً، وصحيح أن الأكراد تعرضوا للمظلومية والتهميش في أوطانهم، لكن ذلك ليس مبرراً للانفصال أو الدخول في المشروع الأميركي، ونسألهم: ألم يتعرّض الشيعة في العراق كما تعرّضوا له وأكثر، ومع ذلك لا ينادون بالانفصال؟ ألا يتعرض الأقباط من التكفيريين للمضايقات والحصار، ومع ذلك لا ينادون بالانفصال؟
إن قيام الأكراد بالانفصال على أساس قومي وإثني هو حلقة من حلقات المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها على أساس ديني ومذهبي وقومي، فعندما فشلت أميركا بمحاولاتها عادت لتفتّش عن أساليب أخرى، علّها تصل إلى أهدافها، فبعد فشل مشروعها التكفيري الذي يشارف على الانتهاء، بدأت بتغيير خططها؛ فغيّرت اسم "النصرة" إلى "فتح الشام"، وقاتلت مع الأكراد وحملت شاراتهم وأسست "المارينز الكردي" مضافاً إلى "المارينز التكفيري" المتناقضين، لكنهما يخدمان مشروع الشرق الأوسط الجديد.
نتمنى من الإخوة الأكراد أن يعودوا إلى رُشدهم ويتعاونوا مع مواطنيهم، فهذا أكثر أماناً لهم ولمستقبلهم، وإلا سيدفعون الثمن مرة جديدة كما دفعوه بعد الحرب العالمية الأولى من حلفائهم الغربيين قبل مواطنيهم العرب.