رغم كثرة "حلفائه" في الشكل، يبدو رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون "وحيداً" كلما أراد خوض معركة أو استحقاقٍ، من أيّ نوعٍ كان.
فعلى الرغم من الدعم الذي يحظى به رئاسياً من حليفيه الأبرز، "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، يُحكى في الكواليس أنّه مجرّد "دعم شكلي"، باعتبار أنّ أياً منهما لم يبذل "الجهد" المطلوب لترجمته عمليًا، عبر الضغط على حلفائه الآخرين، بالحدّ الأدنى، للسير به.
اليوم أيضًا، ومع تلويح "التيار الوطني الحر" بخطواتٍ تصعيديةٍ قد تصل لحدّ الإطاحة بالحكومة، على خلفية التمديد للقيادات العسكرية، يُحكى أنّ "الحلفاء" يغرّدون خارج السرب "العوني"، ما يضعهم أمام "اختبارٍ جديدٍ"، قد يُبنى الكثير عليه في المرحلة المقبلة...
الحلفاء "محشورون"؟
مباشرةً بعد إعلان رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل عن مقاطعة جلسة الحكومة كـ"خطوة تحذيرية"، اتّجهت الأنظار إلى مواقف "الحلفاء"، ولا سيّما "حزب الله"، الشريك في الحكومة، و"القوات اللبنانية"، الشريكة على الساحة المسيحية.
وعلى الرغم من مسارعة الجانبين لمحاولة "احتواء" التصعيد "العوني" عبر الدعوة لتأجيل جلسة مجلس الوزراء إفساحاً في المجال أمام الاتصالات السياسية، فإنّ "الحَرَج" الذي شعرا به، ودفعهما إلى "الصمت" ساعات طويلة، ما أوحى بأنّهما "محشوران" إلى حدّ بعيد، كان كافياً لطرح علامات استفهام عن مدى "عزيمتهما" على خوض المواجهة جنبًا إلى جنب عون في القادم من الأيام، فيما إذا توسّعت.
وفي وقتٍ يحرص "التيار" دائمًا على القول أنّه لا يلزم حلفاءه بشيءٍ، وهو ما أعاد باسيل التأكيد عليه خلال الساعات الماضية، فإنّ "التمايز" بينه من جهة وبين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" من جهة ثانية لم يعد خافيًا على أحد. ففي حين يرفض "التيار" التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي بأيّ شكلٍ من الأشكال، لاعتباراتٍ يصفها بـ"المبدئية"، ويربطها البعض بالملفّ الرئاسي والمنافسة المحتملة لعون من قهوجي، فإنّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لا يمانع الأمر بتاتاً، وهو يحرص على علاقة "متينة" مع قائد الجيش.
ولا يبدو موقف "حزب الله" بعيداً عن موقف جعجع على هذا الصعيد، إلا أنّه "يتمايز" عن عون أيضاً في اعتباره الحكومة "خطاً أحمر"، وقد كان أمينه العام السيد حسن نصرالله واضحاً حين دعا مؤخرًا لـ"تفعيل" العمل الحكومي، وبالتالي فهو ليس مستعداً للدخول في "مغامرة" قد تكون نتيجتها معاكسة، خصوصًا أنّ الحكومة تبقى المؤسسة اللبنانية الوحيدة الصامدة في "جمهورية الفراغ".
إلى المواجهة دُر...
حلفاء "التيار" محشورون إذاً. هم يحاولون "احتواء" التصعيد "العوني"، من دون "تبنّيه"، ما جعل بعض "العونيين" يشعرون بأنّه يصبّ في خانة "رفع العتب" ليس إلا. مواقف "حلفاء الحلفاء"، ولا سيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عزّزت هذا الاعتقاد. فبدل أن يكون رئيس الحكومة تمام سلام في صدارة "المواجهة"، تطوّع "الأستاذ" لتولي المهمّة، بعنوان "رفض التعطيل".
وإذا كانت قيادة "التيار" تقول أنّها تتفهّم هواجس "الحلفاء" ومواقفهم، فإنّ أوساطه ترفض استباق الأحداث والمحطات للتكهّن بما سيحصل، متمسّكة بشعار "لكلّ حادثٍ حديث" الذي كان واضحًا خلف سطور "البيان رقم واحد" الذي أعلنه وزير الخارجية جبران باسيل بعد اجتماع تكتل "التغيير والإصلاح".
لا عتب على الحلفاء، تؤكّد الأوساط، ليس حتى اللحظة فقط، باعتبار أنّ مواقفهم أتت إيجابية، ولكن في المجمل، انطلاقاً من النظرية القائلة بأنّ من يتحالف مع الآخر لا يذوب فيه بالضرورة، بحيث يبقى لكلّ فريقٍ خصوصيّته وحيثيّته. وبالتالي، فأياً كانت مواقف الحلفاء، فإنّ التيّار ماضٍ في المواجهة حتى النهاية، لأنّ العودة إلى الوراء لم تعد واردة ولا محبّذة.
أما الأهمّ، وفق هذه الأوساط، فيكمن في كون مواقف الأيام الأخيرة دانت الخصوم لا الحلفاء، الخصوم الذين قدّموا لـ"التيار" خدمة مجانية لم يكن يتوقّعها، حين "تسرّعوا" بمواقفهم "غير الميثاقية"، فانشكفوا أمام الرأي العام. وتشير الأوساط إلى أنّ هذه "المكاسب السياسية" التي تحققت قد تكون أهمّ ممّا يمكن أن يتحقّق مستقبلاً، كأن يخرج البعض ليُظهِر "لا مبالاة" بانسحاب "التيار" من الحكومة، وهو الممثل الحقيقي الوحيد للمسيحيين الصامد فيها، أو أن يذهب آخرون ليقولوا أنّ الميثاقية تبقى مؤمّنة بوجود وزيرٍ مسيحيٍ واحدٍ في الحكومة، بغضّ النظر عن حيثيّته التمثيلية، في استفزازٍ لا شكّ سينقلب على صاحبه، تمامًا كما ينقلب السحر على الساحر، على حدّ تعبير الأوساط.
أيّ جدوى؟
في الختام، صحيحٌ أنّ قيادة "التيار" تردّد دوماً أنّها تتفهّم مواقف الحلفاء وأنّها لا تلزمهم بشيء، لكنّ الأصحّ من ذلك أنّ حالة "تململ" بدأت تُرصَد في صفوف "التيار" من حلفاء لا يجدهم بجانبه إلا من الناحية النظرية، وما ملفا الرئاسة والتعيينات سوى خير دليل على ذلك.
هنا يسأل "عونيون" عن جدوى كلّ "التحالفات" إذا لم تكن ستفضي لربح "التيار" أيّ معركة، توازياً مع ازدياد حالات "المعارضة" داخل "التيّار" لألف سببٍ وسبب...