«بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودي نظيركما عندي بني الذي أهدته كفاي للثرى فيا عزة المهدي ويا حسرة المهدي» ابن الرومي
قد لا يكون هناك شيءٌ أبلغ تعبيراً من صمت عمران وهدوئه الأسطوري وهو يجلس في ذاك الكرسي الأحمر، معفراً بتراب منزله المدمر، أو ربما ببعض من أشلاء أقرباء أو جيران أو أقران.
لا أظن أنّ عمران، في تلك اللحظة الأسطورية، يهمّه لا من قريب أو من بعيد كم حظيَت وستحظى صورته من شهرة عبر العالم، فتعابير وجهه الذابل ويداه المحايدتان وصمته يشبه إلى حدٍّ كبير إيلان زميله في كونه خلق وعاش في ظلّ وحش إسمه الأسد.
سوف تبكي صورة عمران الملايين عبر العالم، وقد يأتي مَن يحنّ قلبه ليتبرّع بتبنّيه وإزالة الغبار عن جسده، ومسح الدماء عن وجهه، وإعطائه ثياباً نظيفة ملوّنة، ووعاءً فيه حساء ساخن، وكوبَ حليب وقطعة حلوى، وربما لعبة على شكل دب يحضنها في سرير ناعم ودافئ، وربما قد يبتسم الحظ له فتضمّه أنجلينا جولي إلى قبيلة أطفالها الذين انتشلتهم من بين معذبي الأرض، وقد تكون تلك خاتمة مأساته الشخصية!
ولكن، هل يعلم الباكون بصدق على عمران الجالس على الكرسي أنّ أخاه مات؟ وهل يعلمون كم عمران لم تصوّره وسائل الإعلام؟ وكم من عمران دفنته تحت الأنقاض طائراتُ السوخوي القيصرية؟ وكم من عمران مزقته براميل الوحش المتفجرة؟ وكم من عمران نخرت جسده رصاصات الولي الفقيه الطائفية؟
هذا الجزءُ الذي قاله صمت عمران عن أقرانه، ولكنّ لائحة الصمت تتحدث عن الآباء والأمهات، والأخوة والأخوات الذين اختفوا في سجون الموت في صيدنايا وفي أقبية فرع فلسطين أو المخابرات الجوية، وسيبقى حتماً هذا أسيرَ عالم الأساطير «فلا عين تقشع ولا قلب يوجع»، على الرغم من عشرات آلاف الوثائق التي تضع بشار الأسد في مصاف الديناصورات آكلة اللحم، فلا إحساس ولا ندم ولا حتى شعور بالشبع.
ما لم يقله عمران هو أنّ الحل والعدالة لعمران وآل عمران هو نفسه اليوم كما كان منذ خمس سنوات أو عشر أو عقود عدة، هو قتل الوحش أو رميه في قفص حديدي ليشمت به الناس.