تكامل اعتكاف وزراء تكتل التغيير والإصلاح، اي التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق، عن حضور جلسة الحكومة الاخيرة، مع عدم مشاركة القوات اللبنانية فيها منذ تشكيلها، ثم رفع حزب الكتائب اللبنانية الغطاء عنها، في فقدان الحكومة الغطاء المسيحي المطلوب للشركة الميثاقية. ثم جاء انسحاب الوزير ميشال فرعون منها من موقعه كنائب لرئيس المجلس الأعلى للطائفة الكاثوليكية، ليسقط ورقة التين التي شكلها الأخير في تأمين الغطاء المسيحي الذي بات معدوماً، اي ان جلسة الحكومة الأخيرة صفقت بيد واحدة وطارت بجناح واحد، خلافا لما يطالب به رئيسها تمام سلام، من ان البلاد تحلق بجناحين ويد واحدة لا تصفق.
وقد تركت الجلسة الحكومية الأخيرة، الفاقدة الحضور المسيحي، انطباعا في البيئة المسيحية بأن التحالف المحمدي الثلاثي الذي يضم كلاً من المستقبل، الثنائي الشيعي، والحزب التقدمي الاشتراكي، يستعيد تجربة زمن الوصاية السورية باستبعاد المسيحيين وقهرهم، خلافا لخطوة للوزير نهاد المشنوق، الميثاقية بعدم المشاركة دون ضوضاء تجنبا لاحراج التحالف الثلاثي او استثمار اي جانب مسيحي لموقفه في موازاة مناخ التشدد الذي رافق اصرار سلام على عقد الجلسة، وان كان المشنوق واجه رئيس الحكومة بسلاحه الوطني بمقاطعته الجلسة الحكومية تضامنا مع الشريك المسيحي، على غرار ما اقدم عليه سلام في العام 1992 بعدم خوضه الانتخابات النيابية انسجاما مع المقاطعة المسيحية يومذاك.
إلا أن حجة التيار الوطني الحر بالمقاطعة احتجاجا على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي كخيار محسوم ولا بديل عنه، لم يستقطب الشارع المسيحي، بعدما بات سائدا ان مواقف كل من رئيس التكتل العماد ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل، تأتي على قياس حساباتهما ومصالحهما الرئاسية والنفطية، ولذلك شهد الشارع المسيحي تضامنا مبدئيا مع المقاطعة وانزعاجا من الفوقية المحمدية وعدم حماسة للمطالب العونية. اذ في ما خص التمديد لقهوجي، فإن الأمر بات منتهياً نتيجة عدم وجود رئيس للبلاد ، لكن التيار الذي تبلغ رسالة من حليفه حزب الله يحضر لتحرك ميداني على خلفية رئاسية بهدف الضغط على رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لتأييد انتخابه رئيسا للبلاد بعد ان تمكن التيار الوطني الحر مؤخرا من تصوير الأمر وكأن كل الفرقاء موافقون على وصول عون الى قصر بعبدا ما عدا تيار المستقبل.
ولذلك يقر المحيطون بعون بأن الموقف من التمديد لقهوجي هو مبدئي وليس أكثر، لكن المواجهة هي مع الحريري وبري وجنبلاط بأشكال متعددة. وينحصر الأمر بشكل خاص مع المستقبل الذي حول البلاد الى شركة من المحاصصات والصفقات على حساب المصلحة العامة والخزينة، وان عون لن يقبل باستمرار هذا الأمر، فإما يسلم الحريري به رئيسا للجمهورية على قاعدة الشركة عملا بروحية الطائف، أم أن «شركة المستقبل» المتمددة في الدولة على محك الاستمرار، وان تطلب الأمر سقوط «دولة - الشركة» التي يتكامل فيها كل من امل والمستقبل والاشتراكي على حساب الشركة التي يحرص عليها عون دون اي حساب سواء بقي الطائف أم لا، خصوصا اذا ما كان على حساب تجاوز المسيحيين وتهميشهم، على ما دلت عليه الجلسة الحكومية الأخيرة.
وفي منطق أوساط مسيحية على صلة بالجانب المسيحي المشارك في الجلسة، فإن التيار الوطني الحر لم يراع يوماً التوازن المسيحي داخل الحكومة دون ان يحقق أي نتيجة، على غرار مشاركته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بأحد عشر وزيرا، دون تحقيق اي مكسب. وحاليا يريدون ان تلتحق بهم القوى المسيحية لهدف غير مضمون ويكمن في طموح عون الرئاسي، في وقت ان الاحزاب المسيحية التي غيبت ذاتها كالتيار والقوات والكتائب لا تملك رؤيا موحدة سواء حول قانون الانتخاب او حيال مخرج للفراغ الرئاسي.
اما القناعة لدى اوساط مسيحية حيال ما يحصل مع المسيحيين هو ان ما يصيبهم اليوم خلاصة تلكئهم عن المطالبة بحقوقهم منذ 2005 حتى اليوم، اذ باتت القوى المسيحية تعمل لإرضاء القوى الاسلامية على حساب العمل الحقيقي للحقوق المسيحية وتعزيز الحضور في الدولة ومؤسساتها، مشيرة الى ان تراخي الأحزاب المسيحية امام القوى الاسلامية في تأمين حقوقها بالحد الأدنى وممارستها الذمية حدا بالفريق الآخر لتجاوزهم الدائم، وتوقفت امام ما يصيب جهاز امن الدولة من شلل بقرار سياسي مذهبي لان رئيسه مسيحي ، وما حصل مؤخرا من تعيينات شكلت اقصاء للمسيحيين في احدى الوزارات الخدماتية دون ان ينبس اي فريق ببنت شفة، ثم كانت حملة التجني على المحافظين المسيحيين تحديدا دون غيرهم لان لا غطاء لهؤلاء، في حين تحصل الصفقات «على المفضوح» في كل المؤسسات والادارات ويعمل البعض على تسجيل المواقف على حساب المسيحيين غير آبه بوجود قوى سياسية مسيحية لكونها لا تقدم ولا تتخذ موقفا يعكر علاقتها بالجانب الآخر على حساب حقوق المسيحيين الذين تبوأ سياسيوهم مسؤولياتهم على أساس تبنيها ودفاعهم عنها، هذا عدا التغاضي عما يحصل من تعديات في لاسا.
وفي ضوء الواقع المسيحي الضعيف برعاية القيمين عليه، فإن التحرك لن يكون اكثر من زوبعة في فنجان لأنهم يحتسبون الوقت لسقوط بعضهم كأن يترقب رئيسا التيار والقوات فشل سامي الجميل في ملف النفايات أو أن يقابلهما الأخير باحتساب الأيام لسقوط خيارهما الرئاسي، ولذلك فإن لا انسجام لتحرك مسيحي موحد لانعدام الرؤيا حول مصير المسيحيين سواء كان ذلك نتيجة تجاوزهم حكوميا او سياسيا في محطات عديدة، عدا ان مراقبين لم يعودوا يعطون وزنا للحراك المنتظر للتيار على خلفية الخلافات الداخلية التي تعصف به وتخللتها قرارات فصل لقيادات كانت تشكل المحرك الأساسي للقواعد العونية عند الاستحقاقات والتحديات.
وان كانت أوساط رفيعة في التيار الوطني الحر فوجئت بأن يدافع الوزيران سمير مقبل واليس شبطيني عن الحجم المسيحي في وقت ليس لديهما أي حجم تمثيلي أو شعبي في حين إن سليمان لا يلقى تأييداً تمثيلياً لأي مختار أو مجلس بلدي في منطقة جبيل بعد أن جاء الى السلطة وخرج منها عاقدا صفقات هو ومقبل في عدة مجالات. وجاء استقبال الرئيس نبيه بري له لاستفزاز عون، لا سيما ان الاخير مضى عليه سنوات وهو يسعى للقاء عين التينة بعد ان توسط الوزير حناوي ومسؤول امني فاعل .
لكن ما تتوقف عنده الأوسط السياسية مؤخرا هو التباين الواضح داخل تيار المستقبل حيال المواضيع الداخلية وكذلك الصفقات بحيث بدا أن المستقبل بات تيارات تتوزع بين كل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي تشدد بانعقاد الجلسة الحكومية من دون المسيحيين وغياب الوزير نهاد المشنوق كخطوة ميثاقية ووزير العدل المستقيل أشرف ريفي المنفصل عن التيار والمستقيل من الحكومة وغطاس خوري الذي يجتهد في موقف المستقبل من الحوار بحيث لا تخفي أوساط وزارية مطلعة على ملف الانترنت كيف أن فريقا من تيار المستقبل انقض على مدير عام اوجيرو عبد المنعم يوسف لأنه أخطأ عن غير قصد في رفضه تلزيم الفايبر أوبتيك لكاميرات المراقبة لمدينة بيروت فالسنيورة الذي يعترض على أداء جهاد العرب وممارساته اندفع في حماية يوسف في وقت الذين يتعاطفون مع العرب ارادوا اقصاء يوسف لأنه أفقدهم صفقة تلزيم فايبر أوبتيك بـ 15 مليون دولار باعلانه ان العملية تكلف 3 ملايين دولار وليس أكثر وممكن للمؤسسة أن تقدمها مجانا خدمة للمصلحة العامة.
وقد بات ضروريا حسب الأوساط الوزارية أن يحسم الحريري هذا الموضوع ويبعد هؤلاء عن تيار «الشهداء» خصوصا بعدما باتت قوى اساسية في 8 آذار لا تخفي كلامها عما يحصل من صفقات من قبل مسؤولين في تيار المستقبل.