وادي مريمين في ياطر حيث أسقطت المقاومة المروحية الإسرائيلية «يسعور»، كان من الخيارات التي اقترحت كموقع للاحتفال بالذكرى العاشرة لمهرجان انتصار تموز 2006. نظم الاحتفال في بنت جبيل، لكن الاحتفال بمقبرة «يسعور»، أو «الدبور» بالعبرية، لا يُفوّت.
أمس، أزاح المقاومون وعائلات شهداء ياطر وواديها جدارية تؤرخ لليوم الذي أسقط فيه صاروخ «وعد»، في 12 آب 2006، «الدبور» الاسرائيلي، فارضاً على العدو القبول بوقف العدوان. حينها، جرّب آخر محاولاته للاقتراب من الليطاني. حاول تنفيذ ثالث إنزال في منطقة جنوبي النهر في وادي مريمين (بعد شيحين والخيام) على غرار ما فعل في عدواني 1993 و1996، لمحاصرة مرابض مدفعية المقاومة التي تمطر المستوطنات بالصواريخ. قبل يوم، أنزل حوالى 400 جندي مشاة في محيط موقع بلاط المقابل، ودفعهم إلى التقدم نحو تلال ياطر المشرفة على ساحل جنوبي النهر.
استهداف المقاومة للجنود خلال مسارهم، دفع بـ»يسعور»، مع مروحيتي «أباتشي»، إلى التحرك من مستوطنة «زرعيت» لإنقاذ الجرحى. ما إن اقتربت حتى رماها أحد المقاومين بصاروخ قال فيه شاهد عيان صهيوني «إن اللهب الوردي والاصفر الذي انطلق بقوة من المحركات أضاء المنطقة، وجنحت بما يشبه السفينة الغارقة، وأخذ الوقود والقنابل الضوئية التي على متنها بالتفجر». بعد وقف إطلاق النار في 14 آب، طلب العدو من الأمم المتحدة مهلة 48 ساعة للمّ أشلاء طاقم المروحية الخماسي (يرأسه عقيد من سلاح الجو) الذي قضى فيها. لكن أحراج الوادي خبّأت عن أعينه بقايا عظام وبطاقات جنود وأجزاء المروحية التي غنمها الأهالي.
أمس، على بعد ثلاثة كيلومترات من وسط ياطر (قضاء بنت جبيل)، تتوجه السيارة بنا نحو وادي مريمين عبر طريق معبدة ضيقة تشق الأحراج والحقول. عند نقطة ما، نترجل قاصدين قلب الوادي، لأن السيارة لا تستطيع سلوك الطريق الوعرة. قبل عشر سنوات، لم تكن من حاجة للسيارات هنا. أقدام المقاومين كانت أسرع. ظنت «يسعور» أنها قادرة مثلهم على سبر أغوار مريمين. هوت قبل أن تحط في الوعر. مشينا خلف صف العسكر. شبان بلباس عسكري أخفوا وجوههم بالطلاء. يتنقلون بخفة النحل بين الأشجار ويعفّرون جزماتهم بالتراب. يبدو أنهم كانوا فتياناً عند سقوط «يسعور». لكن أحدهم ينبري مستعرضاً المجريات العسكرية التي سبقت إنزال مريمين ولحظات إسقاط المروحية. يختم متوجهاً إلى العدو الذي احترق جنوده تحت أقدامه حيث يقف محتفلاً: «نحن بانتظاركم ونعدّ لكم العدة. ما رأيتموه في تموز بعض من بأسنا».
جنباً إلى جنب، تعاون مقاومون شاركوا في صدّ الإنزال مع عائلات الشهداء التي سقطت بالقصف العنيف على ياطر في تلك الليلة، في إزاحة الستار عن جدارية «وسقطت». فرح الانتصار والثقة بانتصار جديد لا يبدّدهما الحزن على فقد الأحبة، أم عقيل سويدان وابنها علي ومحمد علي سويدان وفادي عبدالله ومحمد حسين جعفر وحسين علي كوراني وحسن علي كريم، الذين انتقم منهم العدو بعد شيّ دبوره.