يُعلن معظم رؤساء الدول الكبرى والصغرى ووزراء خارجيتها ومسؤوليها العسكريين الحرب على "داعش".
تهلّل المنظمات الدولية و معها الحركات الشعبية لهذه الحرب.
فجأة، توحدت سياسات الدول المتخاصمة سابقا وجمعتها قضية "داعش".
نعم، "داعش" شيطان كبير بعد الشيطان الأكبر "اسرائيل".
ولكن، هل القضاء على "داعش" يعني القضاء على "الإرهاب"؟
لماذا تبدو "داعش" عنواناً تسويقياً وحيداً للسياسة الحالية لدولٍ كانت لها اليد الطولى في تأجيج ما سُميّ بالثورات العربية وسهّلت انتشار وتوسع الجماعات التكفيرية؟
أوَليست أنظمة تلك الدول إرهابية بحدّ ذاتها وقد خرقت القانون الدولي وتستحق المحاكمة الدولية لأنها أراقت كفاعل او شريك او متدخل دماء مئات الآلاف من البشر وهجرت الملايين ودمرت حضارات؟
مَن يحدّد مفهوم "الإرهاب" الفعلي في العالم؟
يبدو جلياً أن الحرب على الإرهاب قضية غير متوافق عليها.
و اكثر من ذلك، ليست حتى قضية.
بداية، يجب القول أن "داعش" ظاهرة إرهابية من أسوأ أنواع الإرهاب عبر التاريخ... لكن، هل هي فعلاً كيان مستقل أم كانت لها وظيفة دولية وإقليمية في سوريا والعراق وشارف دورها الآن على الإنتهاء؟
إذا كان الإرهاب يُحدّد فقط بعدد القتلى فالإستعمارات قتلت في العراق والجزائر وفيتنام وافغانستان واليمن وليبيا وغيرها ملايين الأشخاص. لكنّ المجتمع الدولي وجد لها التبريرات.
اسرائيل وحدها، تبيدُ شعباً برمته، وقتلت في لبنان الآلاف وهي اليوم تستبيح قطاع غزة وما مَن يتجرأ على وصف أعمالها بالإرهابية في كلّ من مصر والخليج والغرب فيما بعض العرب والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ينسجون معها أوسع العلاقات.
فجأة، همد اتهام الفكر الوهابي، المعقل الأساسي للحركات التكفيرية، وذلك حفاظاً على العلاقات الدبلوماسية مع السعودية أو حفاظاً على السعودية نفسها.
إنّ الإرهاب في القرارات الدولية وجهة نظر. وما يُعتبر مقاومة شرعية في بلد ما تكتسب شرعيتها من واقع البلد من جهة واحتضانها من الشعب من جهة أخرى تُصنّف منظمة إرهابية في البلاد، أو المنظمات المناوئة لسياستها أو لطائفتها تماماً كما يحصل تجاه "حزب الله" المقاومة اللبنانية. وفي العراق مع "الحشد الشعبي" مثلاً. لا بأس ان تتهم الامم المتحدة السعوديّة بقتل الأطفال في اليمن ثم تتراجع.
لا بدّ من التذكير أنّه في أواخر العام 2015 سلّم الأردن روسيا قائمة ضمت 160 تنظيما مشتبهاً بتورطهم بالأعمال الإرهابية في سوريا. كان الهدف أن تحال القائمة بعد طرحها على النقاش والتوافق عليها من جميع الأطراف في الإجتماع الوزاري لمجموعة دعم سوريا على مجلس الأمن الدولي لإدراجها رسمياً على قائمة المنظمات الإرهابية.
كان كل بلد قد أرسل الى الاردن قائمته. تركيا كانت بين من ارسلوا، لكن المفارقة ان لائحتها تضمنّت تنظيماً واحداً هو: "وحدات حماية الشعب" أي الجناح العسكري المسلح لـ"الاتحاد الديمقراطي" وهو الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني".
لم تذكر أنقرة آنذاك "داعش" ولا "النصرة" ولا غيرهما.
اليوم، تركيا تعلن حربها على الإرهاب متوعّدة بالقضاء على "داعش"، أي التنظيم ذاته الذي سهّلت له تصريف النفط والإمدادات اللوجستية والبشرية. فتدخل فجأة أيضاً من هذه البوابة الى دائرة الدول الساهرة على وحدة سوريا.
هنا يبرز سؤال محوري عند هذا التحول:
هل انتهى دور داعش في تقسيم سوريا وإسقاطها فباتت عبئاً على حلفائها السابقين والانقضاض عليها هو الحل؟ نقول نعم بلا تردد.
انتهى دور داعش على الأقل عند حلفائها لأنّها فشلت في تقسيم سوريا و العراق.
انتهى دورها أممياً، لأنها على غرار تنظيم القاعدة تم فقدان السيطرة على نشاطاتها فتوغلت داخل أوروبا وتركيا والسعودية، مستقطبة ومجندة قسما كبيرا وسافكة دماء أوروبيين وغيرهم، وضاربة السياحة والاقتصاد.
انتهى دورها، لأنه عند سقوط المشروع القاضي بضرب محور المقاومة برمّته، باتت داعش أداة تقلب السحر على الساحر.
واضح أنها ليست كياناً مستقلاً ولئن هي توحي إداريا بأن لها كيان الدولة غير الجغرافية، انتهت "داعش" كذلك، لانتهاء الجدوى الإقتصادية منها بعد فقدانها عسكريا العديد من المناطق الغنية والاستراتيجية في كلّ من سوريا والعراق.
ولكن، لِم القضاء على "داعش" وحدها؟
روسيا ذكرت في القائمة التي أرسلتها الى الأردن، 22 فصيلا إرهابيا منها "احرار الشام"؛ "جيش الاسلام" و"الجيش الحر".
وقع خلاف أميركي-روسي حول هذه المسألة، فالمبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني التقى، على غرار مسؤولين غربيين آخرين، ممثلين عن هذه الفصائل بعد يوم من اختتام مؤتمر الرياض. كانت رسالة اللقاء واضحة. بلاده تتحفظ على اعتبار هذه الفصائل ارهابيّة.
تركيا اليوم تساند الجيش الحر في عمليات "جرابلس" السورية، وزير الدفاع التركي فكري اشيك يؤكد منذ ايام مساندة بلاده لهذا الجيش ويشدّد على ضرورة عودة مدينة منبج إلى من كان يسيطر عليها قبل الحرب، أي الجيش السوري الحر. هذا يعني ان تركيا تساند تنظيماً مصنفاً إرهابيا لكن غير داعشي.
كذلك، ذكرت معلومات سريّة لمصدر إعلامي، أن حركة "أحرار الشام" التي كانت أهداف عملياتها إسقاط النظام السوري عسكرياً بعد استهداف المدن المحيطة بدمشق والعاصمة ذاتها، تراجع أهدافها بضغط تركي لتتحول إلى شريكة في المفاوضات، فتصبح فجأة معارضة سلمية ربما تبحث عن شراكة فعلية في الحكومة المقبلة. لا بل انها تقوم بمبادرات شخصية فردية بين ممثلين عنها ومقرّبين من النظام السوري من غير السوريين بحثاً عن تموضع لها.
أما "الإخوان المسلمون"، فثمة اقتراحات أميركية بتصنيفها منظمة إرهابية، بينما حزب العدالة والتنمية التركي المنبثق من الإخوان المسلمين يبقى الحاكم، ورئيسه يلقي القبض على الآلاف بتهمة التعاون مع الداعية فتح الله غولن المصنف أردوغانياً بالإرهابي.
أما اليمن الجريح، فبين الحرب على "القاعدة" والحرب على "الحوثيين" ضاعت بوصلة "الإرهاب" في الضمير العالمي.
يبدو أن مخطط ضرب محور المقاومة سقط في غيبوبة ولم يمت، إن التخاذل في إعلان الحرب على كل الفصائل والتنظيمات الإرهابية في سوريا، وحصر العنوان بـ"داعش" ينبئ بأن الأنظمة التي ما زالت مسيطرة على غرف المؤامرات الدولية تأبى انتزاع كل أدواتها، وهنا بيت القصيد. لا بل إنها تحاول حماية هذه الفصائل بالحث على تغيير صورتها أو اسمها (على غرار جبهة النصرة) او ارتباطاتها او أهدافها.
صحيح أنّ المرحلة تفرض التنازلات والتسويات، ولكن، يبدو أن بعض الدول المتفاوضة لم تُدرج من ضمن أجندتها رؤية وقرار الرئيس السوري بشار الأسد حيال 160 تنظيما إرهابيا واكثر تنافسوا على تدمير سوريا وقتل شعبها.
الفرق كبير بين الإرهاب كوجهة نظر وبين الأسد وحلفائه الذين يستمرون بالقضاء على الإرهاب الفعلي وإحراج من يوظفه. هنا الفرق الشاسع بين محور المقاومة وروسيا من جهة وبين أقنعة "داعش" وما أكثرها...