لم تمرّ مسألة التصعيد الذي انتهجه "التيار الوطني الحر" بعيد التمديد لرئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير والكلام عن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ومقاطعة العونيين لجلسات الحكومة مرور الكرام... لم يُدرك رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أن هذا التصعيد الذي انتهجه سيقابل بتصعيد آخر من "حليف حليفه" رئيس مجلس النواب نبيه بري في وجه تلك المواقف!
تعوّدت الساحة اللبنانية على جولات بري وعون و"القصف" المتبادل بينهما بعيد كلّ استحقاق. في الأيام الأخيرة أشعلت أزمة الحكومة الفتيل بينهما، فبينما كان عون يصوّب سهامه نحو أفرقاء آخرين والهدف توجيه رسائل تتعلّق برئاسة الجمهورية وجد نفسه "مشتبكاً" ولو بشكل غير مباشر مع بري، وقد كثر الكلام مؤخراً عن أن الأخير ينوي زيادة منسوب التصعيد ضد "التيار الوطني الحر" في الخطاب الذي سيلقيه بذكرى تغييب الامام موسى الصدر.
"ما فجّر الخلاف بين بري وعون هو معرفة الأخير أن رئيس مجلس النواب لا يسير بجانبه في مسألة رئاسة الجمهورية، والعلاقة "الهادئة" بينهما في بعض الأحيان و"المتوترة" في أحيان أخرى يمكن وضعها في خانة التصرّف "بلياقة" بين حليفين". هذا ما يراه المحلل السياسي سركيس أبو زيد، لافتاً في نفس الوقت الى أن "الكل يعرف أن الكيمياء بين الرجلين مفقودة"، ومشدداً على أن "ما أشعل فتيل الخلاف في هذه المرحلة، إضافة الى مسألة رئاسة الجمهورية، هو تمسّك بري بالحكومة وكأنها شكل من أشكال الشرعية فيما عون يحاول أن يحرجها أو حتى يسقطها". بدوره الكاتب والمحلل السياسي طوني عيسى يلفت عبر "النشرة" أننا "دخلنا في مرحلة محاولة تنفيس الاحتقان الذي بدأ منذ حوالي عشرة أيام بين بري وعون"، مشيراً الى أن "الأوّل يحاول أن يمارس اللعبة السياسية الى أقصى درجة رغم ادراك الثاني ان رفع السقف عالياً لن يلامس حدود سقوط الحكومة التي يُعتبَر وجودها خطاً أحمر".
في المقابل يرى عيسى أن "ما يسعى بري الى القيام به يدخل في اطار استمرار لعبة المماطلة التي بدأنا بها في العام 2005 والتي ترتكز على ابعاد الشريك المسيحي"، مشيرا في هذا السياق الى أن "الخلاف بين الرجلين يأتي في اطار محاولة ترويض الشريك المسيحي الأكثر تمثيلاً والتي لم ينجح بها حتى الساعة خصوصاً وأن عون وقف سابقاً في وجه الحلف الرباعي وما زال حتى اللحظة يضع في جيبه مفتاح الحلّ لرئاسة الجمهورية اضافة الى كلامه عن الميثاقية، كل هذه الامور تزعج بري الذي يخوض في وجهه الجولات". أما أبو زيد فيشير الى أنه "مهما توسّعت الهوة بين الاثنين فلا مصلحة لعون بتكبير حجم المشكلة خصوصاً وأنه يخوض معركة رئاسة الجمهورية وهو بحاجة لبري الى جانبه في هذا المجال أو على الأقل أن لا يكون في وجهه حتى يتمكّن من الوصول الى ما يريد".
وسواء نجحت الاتصالات في احتواء الخلاف بين بري وعون أم لم تنجح، فإنّ الأكيد أنّ الساحة السياسية في لبنان ستبقى في ظلّ غياب الحلّ الذي يؤدي لانتخاب رئيس للجمهورية تشهد جولات من "ضرب الاكتاف" حتى تأتي كلمة السرّ التي تنهي الأزمة!