طروحات الشريكين الأميركي والتركي ومواقفهما في التعامل مع ملف الأزمة السورية كانت متباعدة متضاربة ومتناقضة في غالب الأحيان. حتى إنّ تحالفاتهما بُنيت وتقدّمت على هذا الأساس في العامين الأخيرين تحديداً.«درع الفرات» أعادتنا الى خط البداية من التوتر والتأزم على رغم التفاؤل الذي إبتعد سريعاً مع قدوم الرجل الثاني في الادارة الاميركية جو بايدن الى أنقرة وعودته منها.
تصلب وحدات حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي بعدم مغادرة مدينة منبج لأنّ واشنطن وعدته أن تكون من حصته، يقابله حشد عسكري تركي متزايد وهجمات مستمرة بالتعاون والتنسيق مع مجموعات «الجيش السوري الحر».
واشنطن تقول إنها ستلتزم وعودها لكنّ الاتراك لا يعرفون بعد أيّ وعود؟ المقدّم لتركيا هو أنّ الوحدات الكردية ستغادر غرب الفرات وتعود الى أماكن وجودها الأصلية في كوباني والقامشلي، أما التعهّدات التي اعطتها للأكراد فهي أنّ مدينة منبج المتاخمة لنهر الفرات ستكون لهم كما وعدتهم، لذلك هي تجاهلت تقدّمهم وانتشارهم هناك ولا تضغط في اتجاه إخراجهم منها.
هل هي أزمة أميركية داخلية كما يردّد الإعلام الاميركي اليوم حيث الاصطفاف واضح بين قيادة جهاز الاستخبارات الاميركي الذي شارك في تدريب «الجيش السوري الحر» وتسليحه، وبين وزارة الدفاع الاميركية التي جهّزت القوات الكردية وجيّشتها وأطلقت يدها لتتقدّم وتنتشر تحت غطاء محاربة تنظيم «داعش»؟ أم هي خطة مدروسة متعمدة في اختيار الشراكات وبناء التوازنات بين إرضاء الاتراك وعدم التخلّي عن الحليف المحلّي الكردي في شمال سوريا في الوقت نفسه؟
ما أغضب أنقرة بالدرجة الأولى كان وجود نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في انقرة يوم انطلاق عملية «درع الفرات» التي تستهدف تطهير المناطق الحدودية من تنظيم «داعش» وتريد ايضاً إبعاد الوحدات الكردية من غرب الفرات وسحبها من مدينة منبج التي تنتظر دورها، ثمّ الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين يبلغه فيه أنّ الأكراد سيغادرون منبج الى شرق الفرات، لكنّ الموقف الاميركي تغيّر فجأة من خلال دعوة الاطراف المتنازعة الى التهدئة والابتعاد من المواجهات العسكرية والفصل بين القوات، وأنّ التقدم التركي نحو مياه الفرات لا يعني واشنطن ولا يتم بالتنسيق معها.
اصوات تركية كثيرة تردّد أنّ هناك فخاً اميركياً منصوباً لتركيا يقوم على تسهيل انتقال المجموعات العسكرية الكردية الى غرب الفرات تحت ذريعة الحرب على «داعش» ثمّ جرّ تركيا الى التدخل المباشر والمواجهة مع «داعش» والأكراد في خطة بوجهين. كيف تقبل أنقرة أن تساوي واشنطن بين شريك وحليف استراتيجي مثلها وبين المجموعات الكردية المحلية حين تدعو الطرفين للتهدئة وتأمين فصل القوات؟
الإقتناع التركي هو أنّ من غير المعقول أن تدخل الوحدات الكردية مدينة منبج وتتمركز فيها من دون علم الأميركيين وتشجعيهم وأن تكون واشنطن عاجزة عن إلزامهم بالمغادرة الفورية للمكان. أم هناك ما تعد له واشنطن بعيداً من الأعين للايقاع بين الاطراف المتحاربة اكثر فاكثر خدمة لمصالحها وحساباتها في سوريا؟
ردّ جاويش أوغلو على المواقف الاميركية الاخيرة حول التنصل من التنسيق مع انقرة في عملياتها ضد وحدات «الحزب الديموقراطي الكردي» هو أنّ تركيا لن تقبل النصائح والأوامر من أيٍّ كان عندما يكون امنها القومي هو المستهدَف يعني أنّ الحكومة التركية لن تتردّد في التصعيد ضد وحدات صالح مسلم التي تصفها بالإرهابية وأنها قد تهاجم الوحدات الكردية في شرق الفرات نفسه إذا ما اضطرت الى ذلك.
التوتر التركي ـ الاميركي الذي تطوّر في ملف إعادة الداعية فتح الله غولان حيث أحالت واشنطن الطلبات التركية الى القضاء ليدرسها ويقرّر ما يراه مناسباً، قابلته رسائل تركية انفتاحية نحو روسيا مفادها أنّ قاعدة انجرليك ستفتح ابوابها امام كلّ مَن يريد أن يكون شريكاً في الحرب على الإرهاب وهي خطوة تعني الادارة الاميركية شريك تركيا في حلف «الناتو» قبل أن تعني موسكو التي فوجئت بالاقتراح التركي.
لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الاميركي باراك اوباما المقرَّر على هامش قمة الدول العشرين سيكون متوتراً متشنّجاً وعاصفاً ايضاً. إما أن يتحرك الوسطاء في البلدين في اتجاه تليين المواقف، وإما أن تسقط جرة العلاقات أرضاً. ربما الافضل هو أن لا يلتقي الرجلان وسط كلّ هذا التوتر والتأزّم المتزايد بسبب أكثر من ملف ثنائي وإقليمي.