منع انتشار قوات كردية على الحدود التركية.. ومنع تمدد "داعش" إلى الداخل التركي.. هذان هما العنوانان اللذان تذرع بهما "السلطان" التركي رجب طيب أردوغان لشنّ عدوانه وعملياته العسكرية ضد جرابلس السورية.
هنا ثمة ملاحظات لا بد منهما:
الأولى: هذا العدوان السافر جاء إثر زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن إلى تركيا، مما يعني أنه وفّر غطاء أميركياً كاملاً لأنقرة في هذه العملية المشبوهة، وهي تماماً مثل غارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد "داعش"، والتي كانت في أحيان كثيرة لا تصيب أهدافها، أو حسب العادة الأميركية كانت تصيب أهدافاً صديقة، وبشكل عام فإن العدوان التركي حالياً والأميركي سابقاً وحالياً يتم خارج أي تفاهمات مع الدولة السورية وخارج القانون الدولي، ودون أي اتفاق مع الدولة الوطنية السورية، ما يجعله عدواناً سافراً وغاشماً على السيادة الوطنية السورية.
الثانية: أن زيارة بايدن التركية أكدت على عمق الروابط بين أنقرة وواشنطن، وهي تبلورت بشكلين: بدء العدوان التركي على جرابلس، وتراجع أردوغان عن طلبه تسليم فتح الله غولن للسلطات التركية فوراً، واستبداله بمسألة المتابعة القانونية في إطار العلاقة التحالفية بين تركيا والولايات المتحدة، وبموقع الأولى في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الثالثة: انسحاب "داعش" من جرابلس بلا أي معركة أو قتال، ودون إطلاق رصاصة واحدة، ما يؤكد أن هذا التنظيم الإرهابي نما وترعرع في الأحضان التركية، وأن "السيد" الأميركي ما زال الآمر والناهي للمجموعات الإرهابية، وقد تزامن هذا الانسحاب "السلمي" مع وصول بايدن إلى أنقرة، ما يعني تنفيذ أوامر صدرت إلى الإرهابيين من وليّ الأمر.
الرابعة: كشف انتشار المجموعات الإرهابية في جرابلس بإشراف الجيش الانكشاري الأردوغاني، وإن كان تحت اسم "الجيش الحر"، أو أي اسم آخر.. إنها مجموعات من الـ"C.I.A" والمخابرات الغربية والخليجية والتركية، وهي ما تطلق عليه الولايات المتحدة "المعارضة المعتدلة"، التي تتكيّف حسب الحاجة، إذ إنها ربما تحوّلت بقدرة قادر إلى "داعش" أو "النصرة"، أو إلى أي اسم آخر أكثر تطرُّفاً، والكل ما يزال يذكر المجموعات التي دربتها الـ"C.I.A"، وهي بالالاف، ولم يبقَ منها أحد، وحسب الاعترافات الأميركية التحقت بـ"داعش".
الخامسة: هذه التطورات ترافقت مع إعلان "الاسايش" الكردية انسحابها إلى شرقي "الفرات" بأوامر من بايدن واستجابة للطلب التركي، ما يضع علامات استفهام كبرى حول حقيقة دور هذا الفصيل الكردي.
السادسة: ترافق العدوان التركي - المغطَّى أميركياً - مع حدَثين سوريين بارزين، أولهما: استمرار تقدم الجيش العربي السوري في حلب وريفها، واندحار المجموعات الإرهابية من داريا في ريف دمشق وانسحابهما إلى ادلب، مع ما رافق ذلك من كذب وتضليل إعلامي بالحديث عن تهجير المدنيين، حيث تبين أن المندحرين هم المسلحون وعائلاتهم فقط ليس إلا.
بأي حال، التطورات في جرابلس أكدت أن "داعش" جزء من آلية الجيش التركي في العدوان والإرهاب على سورية، وقد توضَّح ذلك في الانسحاب المسرحي الذي نُفِّذ، والذي بيّنته وزارة الخارجية السورية في رسالة إلى مجلس الأمن، حيث أكدت أن "المسرحية التي قام بها النظام التركي بدخوله مدينة جرابلس، والتي تمثّلت بعدم إطلاق رصاصة واحدة ضد داعش، لا بل في انضمام داعش إلى الجيش التركي وحلفائه من التنظيمات الإرهابية في الدخول إلى جرابلس هو خير دليل على تعاون هذا النظام مع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وبالتالي حديث النظام التركي عن خروج داعش من جرابلس كان في حقيقة الأمر إدخالاً لمجموعات إرهابية إلى هذه المدينة تابعة للنظام التركي، وهو يشكّل استبدالاً لإرهاب بإرهاب آخر، الأمر الذي يجب ألا ينطلي على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".
وأوضحت وزارة الخارجية السورية أن استمرار كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والسعودية وقطر بتقديم مختلف أشكال الرعاية والدعم للنظام التركي إنما هو دعم صريح للإرهاب، ليس في سورية وحسب، بل في جميع دول العالم، وهو دليل دامغ على تواطؤ هذه الدول مع النظام التركي في قتل الأبرياء في حلب ودمشق وجرابلس وباريس وليون وبروكسل وبرلين، والحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها هي أن الإرهاب يبقى إرهاباً، وأن الإرهاب لا دين ولا وطن ولا جنسية له.