يكاد يكون الخيار الواحد الأحد أمام الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري أن يشطب الأول كرسي بعبدا من جدول أولوياته، وينزع الثاني طموحات العودة إلى السراي من أحلامه، خصوصاً أن الوقت يداهم الجميع، ولا جدوى من حوار مباشر أو غير مباشر لزعيمَي "التيارين" إذا كانت الغاية من الحوار كرسي لك وكرسي لي، سيما أن شهر تشرين الثاني بات على الأبواب، ويدخل لبنان المهلة الدستورية للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في أيار من العام 2017، وأي تمديد للمجلس الممدِّد لنفسه بات ممنوعاً، لأن أي رغبة بتمديد إضافي يستلزم مشروع قانون من مجلس النواب الحالي من جهة، ومن جهة أخرى فإن أية محاولة للتمديد ستحرم أي نائب يسير بها من السير خارج منزله، نتيجة الاحتقان الشعبي من كل الملفات الحياتية، والذي سينفجر بعنف غير مسبوق بوجه هؤلاء النواب.

وبمعزل عن الانتخابات النيابية الحتمية في 2017، وقانون الانتخاب الذي يبدو أنه سيبقى قانون الستين، وربما مع تعديل يزيد حتماً من تشويهه، ويكشف آخر أوراق المجلس النيابي، فإن الحوار بين التيار الوطني الحر و"تيار المستقبل" أثبت عقمه منذ بداياته، لأن الأسس كانت خاطئة، وجدول الأعمال المحصور بالكراسي ليس من "صلاحية" الأطراف الداخلية وحدها، ويكاد الطرفان يدفعان ثمن فشل هذا الحوار، ليس طيران الكراسي فحسب، بل حتى طيران "التيارين".

مشكلة التيار الوطني الحر أن قائده العماد ميشال عون فتح ملف الفساد، ففُتحت عليه كافة أنواع الأسلحة، ومن كافة الأطراف، منها ما هو علني ومنها ما هو تحت الطاولة، مع عدم رضا فريق من أهل البيت، وتحديداً مَن يؤمنون بأن نظافة كف ميشال عون يجب ألا تلوّثها مصافحة من صدر بحقهم كتاب "الإبراء المستحيل"، هذا الكتاب الذي توّج النائب إبراهيم كنعان "ناظراً عاماً" جديراً برسم أهداف مدرسة ميشال عون ووضعها موضع التطبيق والتنفيذ، وفاخر "العونيون" بإنجاز كنعان، لأن الكتاب بدا كأنه المرجع الصالح لحملة التغيير والإصلاح الفعلية، إلى أن بدأت الخيبة ترتسم على وجوه شريحة واسعة من الملتزمين والمناصرين لـ"التيار" عندما بدأ الحوار مع أبطال مسلسل الفساد الذين تناولهم "الإبراء المستحيل".

ومما زاد في الطين بلة داخل البيت الواحد للتيار الوطني الحر، أن ظاهر المشكلة هو على مستوى القيادة، في ما اعتبره البعض تعييناً لرئيس "التيار"، وحملة تطهير لـ"المتمردين" عليه، بينما الواقع أن فصل زياد عبس أو سواه من القيادات الحزبية لا يلغي حقيقة أن 9000 صوت مسيحي في بيروت الأولى قالوا "لا" لـ"لائحة البيارتة" البلدية، و"لا" للتحالف مع مَن إبراؤهم مستحيل، حتى ولو طارت حصة المسيحيين المحسوبة لـ"التيار" من بلدية بيروت، مما كان يقتضي على رأس الهرم في "التيار" الرجوع ربما إلى القاعدة و"الوقوف على خاطرها"، واستمزاج رأيها وأسباب عبوسها قبل إقالة عبس أو سواه.

ومشكلة "تيار المستقبل" أنه بغياب الرئيس الحريري خسر الشريحة الكبيرة من شعبيته، نتيجة رهانات "الغائب" على التطورات الإقليمية، وخسر نتيجة انكفائه سنوات عن تقديم الخدمات الموعودة من "تيار" قام أساساً على الخدمات وأقفل الكثير من مؤسساته، وأغفل الكثير الكثير من واجباته، وحواره مع التيار الوطني الحر وضَعَه في صورة من يحاور "حليف حزب الله وإيران"، وهذا ما جعله يدفع من رصيده أمام من كانوا مازالوا يراهنون على ما سُمّيت "ثورة الأرز"، ونتيجة هذا الانحسار الشعبي والسُّني بنوع خاص، لم يعد الرئيس الحريري المدلَّل الوحيد سعودياً، ولو أن البدلاء لم يبلغوا بعد مرحلة الحلول مكانه بسهولة.

مادام كافة الفرقاء اللبنانيين يُجمعون على أن معضلة انتخاب رئيس للجمهورية لا حلّ لها سوى بتوافق سعودي - إيراني، فإن صراع هذين البلدين إقليمياً لا نهاية قريبة له، وحتى إن حصل توافق جزئي على منع انهيار لبنان كهيكلية دولة، فإن مرشح بعبدا سيكون توافقياً، والجنرال غير توافقي بالنسبة للسعودية، ومرشح السراي سيكون حتماً غير سعد الحريري، لأن الأخير بالغ ويبالغ مع فريقه في الهجوم على المقاومة، والحوار مع حزب الله مجرد تنفيس احتقان، خصوصاً أن دفة الانتصار في سورية، وتحديداً تسوية داريا التي ستنسحب على حزام البلدات المحيطة بدمشق، ليست في صالح الحريري ورهاناته.

تبقى الأزمة الدستورية الأكبر التي تنتظر لبنان، في حال لم يتم التوافق على رئيس إدارة أزمة قبل الانتخابات النيابية في العام 2017، هي في مَن يجري الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات؛ هل يُعقل أن يحلّ 24 وزيراً تصريف أعمال مكان رئيس الجمهورية، لإجراء الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس لتشكيل حكومة؟ وهنا فقط يلوح بصيص أمل بإمكان انتخاب رئيس توافقي تُجمع عليه الأكثرية النيابية الحالية، لتمرير المرحلة، وتنتهي المسألة بين العماد عون والحريري بحلّ وحيد: "لا أنا في بعبدا.. ولا أنت في السراي".

أمين أبو راشد