يفتح الإعلان عن مقتل المتحدث باسم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو محمد العدناني، الباب أمام جملة واسعة من التساؤلات، نظراً إلى "الرمزية" التي كان يتمتع بها ابن بلدة بنش، في ريف إدلب الشمالي، طه صبحي فلاحة على مستوى التنظيم، بالإضافة إلى التحولات التي تطغى على المرحلة الراهنة، حيث يشهد العالم على إنحصار المناطق التي كان يسيطر عليها "داعش" في الأشهر الأخيرة.
ما تقدم يعيد إلى الأذهان العديد من عمليات الإغتيال التي تعرض لها قادة التنظيم، في الفترة الأخيرة، مثل أبو علي الأنباري وأبو عمر الشيشاني وغيرهما من الشخصيات البارزة على مستوى الجماعات الإرهابية، لكن المفاجأة أن التداعيات المحتملة كان قد تحدث عنها العدناني نفسه، ناقلاً رؤية "داعش" لها بشكل مفصل في رسالته الأخيرة، بعنوان: "ويحيى من حي عن بينة"، التي هدد فيها بشن هجمات ضد أميركا والدول الغربية.
في تلك الرسالة الشهيرة، التي تلتها مجموعة من العمليات الإرهابية في البلدان الغربية، شدد على أن الولايات المتحدة الأميركية لن تنتصر في هذه المعركة من خلال إغتيال قادة التنظيم أو السيطرة على معاقله، متوجهاً لها بالسؤال التالي: "هل تظنين أميركا أن النصر بقتل قائد أو أكثر؟"، ليجيب: "إنه لنصر مزور، والنصر أن يهزم الخصم"، بعد أن كانت الشائعات تتحدث عن مقتل الشيشاني، إلا أن تعدد الضربات، خلال فترة قصيرة، من المؤكد أنه سيكون له تأثير على معنويات "داعش"، نظراً إلى أن الإستهداف طاول شخصيات تعتبر من الصف الأول.
وعلى الرغم من أن مثل هذه العمليات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، من خلال دفع عناصر التنظيمات الإرهابية إلى التشدد أكثر في معاركهم، إلا أن رمزية شخصية كالعدناني تتطلب التوقف عندها، على إعتبار أنه كان واجهة التنظيم الأساسية في العديد من المحطات، فهو الذي كان يتولى الرد يشكل قاس على عناصر كل من جبهة "النصرة" و"الجيش الحر" سابقاً، وهو من تولى الهجوم على زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، على أثر الخلاف الشهير بين الجانبين حول العمل على الساحة السورية، إلا أن الأهم هو مشاركته، إلى جانب الشيشاني، في الإعلان عن قيام دولة "الخلافة" وكسر الحدود بين الدولتين السورية والعراقية، في مؤشر إلى أن إتفاقية "سايكس-بيكو"، التي رسمت خارطة المنطقة، على أنقاض الأمبراطورية العثمانية، لم يعد لها من وجود فعلي على أرض الواقع.
حتى الآن لم تتضح الطريقة التي إنتهت بها مسيرة المتحدث باسم "داعش"، فوكالة "أعماق"، الناطقة باسم التنظيم، تحدثت عن مقتله خلال تفقده العمليات العسكرية في ولاية حلب، في حين تحدثت معلومات أخرى، مصدرها الجانب الأميركي، عن إغتياله بضربة جوية في منطقة الباب، الواقعة في ريف حلب الشمالي، لتدخل بعدها وزارة الدفاع الروسية على الخط للتأكيد بأن العملية تمت بغارة من طائراتها، لكن هل يأتي ذلك في سياق المساعي إلى إنهاء المشروع الذي يحمله تنظيمه على مستوى المنطقة، وما هو البديل المطروح اليوم؟
في الأشهر الأخيرة، كان من الواضح أن الإدارة الأميركية قررت أن يكون العام الحالي، هو موعد القضاء على "داعش"، أو على الأقلّ عام إستعادة المناطق الأساسية التي يسيطر عليها، والتي من المفترض أن تكون أساس أي مخطط مستقبلي، فوضعت على رأس قائمة الأهداف كلاً من الموصل العراقية والرقة السورية، لكن هذا لم يتحقق حتى الآن بالرغم من النجاح في دحره من مدن وبلدات أخرى، قد يكون أبرزها الفلوجة في العراق ومنبج في سوريا، بالرغم من الإشكاليات التي ظهرت إلى الواجهة بالتزامن، لا سيما في سوريا حيث ظهر الصراع بين حلفاء واشنطن، أي تركيا والأكراد، حيث ترفض أنقرة وجود "قوات سوريا الديمقراطية" في المناطق الواقعة غرب الفرات، في حين لا تزال معركة الموصل عرضة لتجاذبات سياسية داخلية حول القوات المشاركة فيها، على إعتبار أن إدارتها، في مرحلة ما بعد التحرير، ستكون لمن يتولى المهمة.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن عمليات الإغتيال تأتي في سياق مساعي القضاء على "داعش"، من دون أن يكون هناك من سيناريو واضح لمستقبل البلدان التي يتواجد فيها التنظيم، خصوصاً سوريا والعراق، حيث صراع المصالح الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الجهود التي تبذل لحجز مناطق نفوذ يستفاد منها في مرحلة التسوية السياسية، من دون أن يعني ذلك القضاء على خطر الجماعات الإرهابية، التي لا تزال تملك الكثير من أوراق القوة، وأبرزها التناقضات بين مختلف اللاعبين، الأمر الذي يحولها إلى أدوات تاريخ الإستفادة منها لم ينته بعد.
في المحصلة، إغتيال العدناني ضربة معنوية قوية لـ"داعش"، لا تعني إنتهاء المواجهة معه حكماً، لا بل ربما يكون لها إرتدادات عكسية، لكنها تؤكد بأن الصف الأول من قيادة التنظيم بات تحت دائرة الخطر، خصوصاً أن المتحدث باسمه ليس الشخصية الأولى التي يتم إغتيالها.