أشار البيت الأبيض إلى أنه من المحتمَل أن يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في الرابع من أيلول المقبل، وسيبحث الرئيسان ملف كل من أوكرانيا وسوريا.
بغض النظر عن إمكانية اللقاء أو عدمه، فإن التفاؤل الذي يسوقه البعض حول إمكانية إيجاد حل، أو على الأقل رسم خريطة طريق لحلّ ما في سوريا، يبدو من الصعب تصديقه، لأسباب جوهرية عدّة، أهمها:
أولاً: لن يقبل الأميركيون بسهولة تقاسم النفوذ مع الروس في المنطقة، إذ يعتبر الأميركيون أن روسيا لم تعد إلى صفة " الدولة العظمى" المؤهَّلة للعب دور عالمي بعد، بينما يهدف الانخراط الروسي في سوريا من جملة الأهداف التي يتوخاها؛ إجبار الولايات المتحدة على التعامل مع الروس كندٍّ عالمي وليس كقوة هامشية كما اعتادت أن تنظر إليها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
أساساً، ينطلق الخلاف الأميركي - الروسي حول تحديد ماهية ما حصل عام 1990، وتعريف سقوط الاتحاد السوفياتي، فالأميركيون والغرب بشكل عام يعتبرون أنهم انتصروا في الحرب الباردة وأسقطوا الاتحاد السوفياتي، وهو ما عبّر عنه بوضوح الرئيس جورج بوش الأب حين قال: "الحرب الباردة لم تنتهِ، بل تمّ الانتصار فيها"، بينما يرى الروس أن غورباتشوف حاول نقل روسيا إلى اقتصاد السوق، ولم يكن انهيار الاتحاد السوفياتي ربحاً غربياً للحرب، لذا لا يحق للولايات المتحدة الادعاء بالتفوُّق والأحقية بحكم العالم بشكل آحادي.
من هنا، فإن الروس يرون أن كل ما يطبع سياسات الغرب اليوم هو التعالي والغرور، ومحاولة منع روسيا من استعادة قوتها ودورها العالمي، ويأخذون على الأميركيين أنه ما أن بدأ الروس بمحاولة استعادة بعض من القوة كدولة، حتى بدأ حلف "الناتو" بالتوسُّع شرقاً، وجذب الدول التي تشكّل عمقاً استراتيجياً لروسيا.
ثانياً: يأخذ الأميركيون على الروس استعمالهم القوة العسكرية للتوسُّع على حساب دول أوروبا الشرقية، وأنهم يستعملون تلك القوة لضرب المجموعات التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا.
واقعياً، لا يملك الروس الكثير من الخيارات، إذ تلعب الجغرافيا الروسية دوراً هاماً في صياغة الاستراتيجية الروسية العالمية، فتواجد روسيا على تماس جغرافي مع كل أوروبا والشرق الأوسط والصين، وغياب الموانع الطبيعية (باستثناء المحيط الأطلسي والقطب الشمالي) يجعل من الاستراتيجية الروسية "هجومية" بشكل دائم.
باعتبارها دولة تحتوي على الكثير من السهول، قامت الاستراتيجية الروسية الأمنية دائماً على استراتيجية توسيع الدائرة حول المركز للتخلص من الأخطار التي تتهدده، لذا ومن أجل الدفاع عن مصالح روسيا القومية، يحرص الروس على عدم القتال على حدودهم، بل يجب نقل المعركة إلى أبعد من الحدود المباشرة. وهكذا، يعتمد الروس التوسُّع واستراتيجية "الهجوم الدفاعي" باستمرار، لأنهم ببساطة يؤمنون أن التوسُّع هو الحل الوحيد لحماية الأمن القومي الروسي.
قبل فلاديمير بوتين، لم يهضم الروس قيام "الناتو" بقصف صربيا، ثم محاولة التمدُّد الغربية في الحديقة الخلفية للروس عبر الثورات الملوَّنة، التي أسقطت الحُكام المرتبطين بروسيا وأحلّت مكانهم حُكاماً موالين للغرب، ثم محاولة جذب أوكرانيا وجورجيا وباقي دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى أن وصل الأمر بالاستراتيجيين الروس إلى الاقتناع المطلق بأن الأمر لا يمكن مقاومته أو الحد من تأثيره إلا باستعمال "القبضة الحديدية".
ثالثاً: تنطلق المقاربتان الروسية والأميركية والنظرة إلى النفس والدور من نفس الرؤية، أي الإيمان باستثنائية تاريخية وتفوُّق حضاري؛ كما الأميركيون يؤمن الروس بأن الله خلق هذه الأمة وأوكلها مهمة حضارية في العالم. نزعة التفوُّق هذه جعلت الروس - كما الأميركيين - يرفضون الانضمام إلى المؤسسات الدولية إن لم يكونوا فاعلين فيها، أو إن لم يضطلعوا بدور قيادي.
مع العلم أن الشعور بالاستثنائية هو ما يجعل الروس بكافة شرائحهم يشعرون بالفخر الوطني الذي يغذي السخط على كل محاولة غربية "لإذلال روسيا"، وهذا بالضبط ما يتقن بوتين اللعب على وتره؛ أي تغذية شعور الافتخار الوطني، وتسويق الاستراتيجية الروسية بأنها محاولة استعادة المجد الروسي، وهو ما يمنحه تأييداً ساحقاً في الداخل.
نتيجة لما سبق ذكره من الأسباب وغيرها، ولأن الأميركيين ما زالوا يملكون الكثير من الأوراق الاستراتيجية التي يستطيعون استعمالها لاستنزاف الجميع في الشرق الأوسط، بدون خسائر من قبَلهم، ولأنهم لم يقتنعوا بعد بضرورة إفساح المجال للروس بكسب مناطق نفوذ جديدة في الشرق الأوسط، لن يكون هناك حل ولا خريطة طريق روسية - أميركية خلال عهد أوباما،وكل ما يستطيعه الروس وحلفاؤهم هو البناء على انشغال الأميركيين بانتخاباتهم الرئاسية، لتغيير موازين القوى في سوريا بشكل جذري خلال ستة أشهر، ما يدفع بالرئيس الأميركي الجديد للقبول بتقاسم بخريطة نفوذ جديدة في الشرق الأوسط، فإن استطاعوا القيام بذلك، يمكن التوصُّل إلى تسوية، وإن لم يستطيعوا، فقد تستمر الأزمة السورية عقوداً مقبلة.