فيما يراوح الوضع اللبناني السياسي مكانه، بين شل العمل المؤسساتي في ظل الفراغ الرئاسي دون تفجيره بالكامل، نظرا للمحاذير الدولية والمخاوف الامنية من دخول لبنان في المجهول، على الرغم من استمرار جلسات الحوار الوطني برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، يقفل الاسبوع ما قبل عيد الاضحى المبارك فلسطينيا على مشهدين متناقضين، من شأنهما ان يعيدا خلط الاوراق في العلاقة اللبنانية الفلسطينية التي شهدت تحسنا ملحوظا مع بناء جسور الثقة التي ترجمت في اكثر من استحقاق، وآخرها عملية تسليم المطلوبين لانفسهم طوعا لمخابرات الجيش اللبناني.
جدار فصل
في المشهد الاول الصادم، اكدت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى لـ"النشرة"، ان السلطات اللبنانية قررت فعلا بناء جدار بإرتفاع 4 أمتار، على كامل حدود مخيّم عين الحلوة، في تأكيد جديد على انها لم تسقط عنه النظرة الأمنيّة في التعامل اليومي.
وبعيدا عن تفاصيل تلزيم المشروع الذي رسا عقده الى شركة مقاولات معروفة في بيروت ويفترض البدء بتنفيذه خلال الأسابيع المقبلة، إلا إذا تراجع المعنيون عن قرارهم، فإنّ المصادر الفلسطينية تنظر بعين الريبة الى هذا الاجراء، اذ جاء تلبية لضغوط دولية هائلة تتعرض له السلطات اللبنانية السياسية والامنية لسببين، الاول أن المخيم المذكور يشكل نقطة ارتكاز اساسية في الطريق الساحلية التي تربط صيدا بالجنوب ومرور قوافل قوات الطوارئ الدولية والتهديدات الامنية التي قد تتعرض لها، والثاني ارتباط بدء التنقيب عن النفظ وقدوم الشركات الاجنبية الدولية الى الجنوب حيث منابعه وضمان نجاح عملها، بوضع حدّ لتهديدات أمنيّة إفتراضية من هذا المخيم الذي يشكّل عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان.
وتوضح المصادر، ان السلطات اللبنانية أمام خيارين، الاول الحسم العسكري لانهاء معادلة مخيّم عين الحلوة تحت أيّ ذريعة، وهذا يبدو صعبا ان لم يكن مستحيلا لعوامل كثيرة منها المحليّة والدوليّة، وعدم تأمين الاجماع اللبناني في ظل الفراغ الرئاسي، ناهيك عن الخسائر ومخاطر توطين الفلسطينيين في لبنان، والثاني بناء "جدار فصل" يطمئن القوى الدولية بزيادة الإجراءات الأمنية الاضافية الى حدّها الاقصى، خصوصا لجهة ضبط حركة الدخول والخروج منه وإليه وسدّ الثغرات، ومنع تسلّل المطلوبين أو الراغبين بتنفيذ أعمال إرهابية.
وتشير مصادر فلسطينية إلى ان التناقض في هذا المشهد الاول الصادم، يبدو جليا في ضرب جسور الثقة في العلاقة اللبنانية الفلسطينية التي تكرست في التنسيق والتعاون اليومي، على الاقل في حسم السنوات الماضية من عمر الازمة اللبنانية وانتشار خطر المجموعات الارهابية لاحباط أي محاولة لتوتير الوضع الامني والمساس بالجوار اللبناني، والثاني في عمليّة تسليم المطلوبين لانفسهم طوعا لمخابرات الجيش اللبناني، وهذا دليل على ان الفلسطيني يريد ان ينهي ملفه الامني ويعيش بسلام وكرامة.
خطاب حوار
وفي المشهد الثاني، فان موقف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الايجابي بشأن أمن المخيمات واستقرارها وخاصة عين الحلوة ترك ارتياحا سياسيا، فتح الباب على مصراعيه للانتقال من التعاطي الامني مع المخيمات الفلسطينية الى المدني والانساني بعد عقود طويلة من الحرمان على قاعدة الحقوق والواجبات.
وتؤكد أوساط سياسية فلسطينية، على اهمية موقف ابراهيم ليس في مضمونه فقط، وهو ضرورة الانتقال الى التعاطي المدني الانساني مع الواقع الفلسطيني في لبنان، بل كونه صدر من اعلى هرم في سلطة امنية تتابع عن كثب الملف الامني برمته من المجموعات الارهابية الى مخيمات النازحين السوريين وصولا الى المخيمات الفلسطينية، وفي توقيته ايضا، اذ جاء مع المخاوف من توتير أمني ينطلق من المخيّمات الى العمق اللبناني على خلفيّة قرار "المجموعات الارهابية" الانتقال في لبنان من حالة "النصرة" الى "الجهاد".
وتشير هذه الاوساط الى بلورة "مبادرة" ثنائية مشتركة لتنفيس الاحتقان الفلسطيني على قاعدة مقاربة الملف من زاويته الانسانية الاجتماعية وليس الامنية فقط، لانه في حال جرى تأمين مقومات الحياة الكريمة لابناء المخيمات، فانها تشكل سدًّا في عملية استغلال الشباب ودفعهم الى أعمال تخريبية تسيء الى المخيّمات، وتؤذي الجوار اللبناني وقد جاء موقف ابراهيم كإشارة بدء "الضوء الاخضر"، خصوصًا في ما يتعلق بتأكيده أنه من "الخطأ المميت" الذي نقع فيه أننا نتعامل مع الفلسطينيين على أنهم ملف أمني".
رسالة شكر
خلاصة القول، بين المشهدين وبلورة المبادرة المشتركة، هل تشكل زيارة ممثلة الامين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ الأخيرة الى عين الحلوة رسالة لتغيير القرار في اللحظات الفاصلة، بعدما بعثت هذه الزيارة برسائل ايجابية عن الأمن والإستقرار ورفض الشعب الفلسطيني الإرهاب، ام تبقى مواقف لبنان الإيجابية مجرد "رسالة شكر" على الوعي لدرء الاقتتال والفتنة مع اللبنانيين بانتظار ان يحين الموعد الحقيقي لحوار جدي ومسؤول مع رسم خارطة المنطقة من جديد والقوى المنتصرة فيها؟!