تدور داخل الأروقة السورية المغلقة نقاشات حول تغيرات الموقف التركي، الجميع يترقب المزيد من التبدل في الموقف إذ إن من يعرف خلفية رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وعلاقته الشخصية بالرئيس بشار الاسد يدرك أن تكليف الرئيس التركي ليلدريم كان إشارة ايجابية تجاه الحل في سوريا، فوحدها الأوساط الخاصة تذكر أن يلدريم كان رئيس بعثة الشرف الذي كان ينسق زيارات الرئيس بشار الأسد إلى تركيا وكان يرافقه في جولاته خلال الأعوام الخمس التي سبقت الأزمة السورية ولم يعكر صفو العلاقة أي موقف من يلدريم الذي كان منذ العام 2002 وزيراً في الحكومة التركية ولم يغب عنها سوى عامين فقط من نهاية 2013 إلى نهاية 2015.
القرار التركي بالتغيير لم يكن وليد الانقلاب الفاشل الّذي كان له دور في تسريع الخطوات، القراءة السورية إن قرار التغيير اتخذه اردوغان لحظة ابعاده لأحمد داوود أوغلو واعتذاره من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطي صفحة الماضي، اذ أدرك الرئيس التركي أن الإرهاب وصل الى عمق تركيا والاكراد اعلنوا فدراليتهم ويتوسعون باتجاه غرب الفرات وكانت القوات السورية انذاك تعمل على تطويق مدينة حلب واتى من بعدها الانقلاب ليدفعه الى التعجيل بخطواته.
بدا واضحا بالنسبة للقيادة السورية انه بتكليف يلدريم فتحت مرحلة جديدة وتحركت قنوات الاتصال وتطور موقف رئيس الوزراء التركي من الحديث عن قبول تركيا للرئيس الاسد في المرحلة المقبلة الى العمل على التطبيع مع سوريا ومصر، وموقف رئيس الوزراء التركي منسق بالكامل مع أردوغان فهو معروف أنه أيضا الشخصية الأقرب للرئيس التركي، وفي الوقت نفسه قنوات الاتصال مع دمشق مفتوحة على مستويات عالية والحديث عن لقاءات استخبارية تأتي لتنسيق الخطوات والتوجهات لفكفكة العقد قبل البدء باعلان عودة العلاقات وتطبيعها فيما الاجواء في دمشق تفاؤلية خاصة بعد تطويق حلب مجددا بشكل غير قابل للخرق.
على هذا الاساس لم يطرح سيناريو اللقاء الثلاثي في موسكو من الفراغ وان بدا أنه سريع ومستغرب وغير ناضج، اذ ان لا اعلان ولا اشارات رسمية توحي بالامر وبدا السيناريو عبارة عن بالون اختبار للجميع بانتظار ردود الشارع من الجانبين، اذ ليس من السهل على اردوغان أن يجري التحولات بهذه السرعة ومن الصعب أيضا على الرئيس السوري أن يتخطى الغضب الشعبي من اردوغان ودعمه للارهابيين. الامر إذا بحاجة الى تمهيد وقد يطول بانتظار كامل الاتفاق على كامل تفاصيل الحل من الأمن الى السياسة، ولا شك ان صدمة الاعلان عن اللقاء اتت ايجابية والغضب السوري لا يلغي انه يريد الحل ووقف الحرب فلم يعد هناك عائلة غير منكوبة والبلاد تعاني اقتصاديا وما دام الحل ضمن الثوابت السورية فلا مانع من ذلك.
الاعلام السوري لم يشكك بسيناريو الحل مع تركيا وكاد ان يوسع الحديث عنه لولا نفي الكرملين وجود لقاء ثلاثي في موسكو وعدل وجهته بانتظار زيارة اللواء علي مملوك لموسكو. التباين مع تركيا بشأن الحل لايزال موجودا في التفاصيل، فاردوغان يريد مشاركة الاخوان في الحكومة وهو ما ترفضه دمشق بشكل قاطع. الثوابت السورية لا زالت هي هي ومن يريد التغيير عليه أن يعدل مشاريعه، والخطر الداهم على الرئيس التركي هو المشروع الكردي، وخطأ الوحدات الكردية بمهاجمة نقاط الجيش السوري في مدينة الحسكة سيدفع ثمنه الأكراد ولن يكون في مشاركة "الاخوان"، اذ يستحيل بعد قتال خمس سنوات وانتصارات على الأرض أن تسلم دمشق بالسياسة ما لم يحصلوا عليه في الميدان، ومن يريد الحل عليه التنازل.