هل تصاب الحكومة بالزجاج الذي تناثر نتيجة انكسار جرة طاولة الحوار، أم ان الحرص المحلي والدعم الاقليمي والرغبة الدولية سينأيان بها ويمكِّناها من الاستمرار على قيد الحياة، وبالتالي فإنه يبقى هناك من إمكانية لتبريد الأجواء التصعيدية التي سيطرت على الساحة السياسية في اليومين الماضيين؟ من المؤكد ان مروحة من الاتصالات قد حصلت بين المرجعيات والقوى السياسية بعد لحظات من الإعلان عن تعليق أعمال طاولة الحوار الوطني لكي لا يكون لهذا الفعل من مضاعفات ينزلق معها الوضع السياسي في اتجاه الخروج عن السيطرة وبالتالي يدخل البلاد مجدداً في آتون الصراع السياسي الذي سيكون له محاذيره الخطرة في الشارع.
وإذا كانت هذه الاتصالات ما تزال خجولة، فإن مصادر سياسية تتوقع ان تتصاعد وتيرتها بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، كون ان طاولة الحوار وكذلك الحكومة هما ما تبقى من مساحة لتلاقي الأفرقاء السياسيين وتبريد حدة الاحتقان الناجمة عن الخلافات المتجذرة حول الكثير من الملفات والاستحقاقات.
وتتوقفت المصادر عند توقيت القرار التصعيدي للتيار الوطني الحر تحت غطاء الدفاع عن الميثاقية والمسيحيين والذي يتزامن مع تطورات المنطقة وخصوصاً المعارك العسكرية المتصاعدة في سوريا والعراق واليمن، مما يعني ان ما يجري في الداخل له ارتباطاته مع تطورات الخارج.
وترى المصادر السياسية ان الجنرال ميشال عون يعتبر ان المرحلة الفاصلة من اليوم وحتى آخر العام هي آخر فرصة لأن يأتي رئيساً، وهو بالتالي سيستخدم كل أنواع الأسلحة المتوافرة في جعبته مهما كان الثمن للوصول إلى قصر بعبدا، تماماً كما تصرف يوم كان رئيساً للحكومة ما بين عامي 1988 و1990.
وتضيف هذه المصادر ان المرجعيات السياسية والدبلوماسية أبلغت العماد عون بخطورة خطة التصعيد التدريجي التي يضعها لكنه لم يأبه لهذه التحذيرات بما فيها التحذيرات التي وصلته من سفارات صديقة ومن الحلفاء في الداخل، الذين يدعون إلى الاستقرار الحكومي واحترام طاولة الحوار، من دون ان ننسى الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله منذ عدّة أيام وكان عنوانه تثبيت الحكومة وتحصينها وعدم المس باستقرارها.
وفي تقدير المصادر ان الموقف الذي يأخذه «التيار الوطني الحر» من خلال رئيسه الوزير جبران باسيل يخلق أزمة في علاقات «التيار» مع أقرب المقربين منه إضافة إلى كونه رفع شعار الدفاع عن المسيحيين والميثاقية ولم يتشاور العماد عون بشأنه مع سيّد بكركي البطريرك بشارة بطرس الراعي، الأمر الذي دفعه لأن يقول في خطابه بالأمس بأنه يأسف لا بل يربأ بهذا المستوى الذي وصلت إليه الحياة السياسية في لبنان.
وحول ماذا يستفيد «الوطني الحر» من ضرب الحوار تقول المصادر: كان «التيار» يظن ان ضرب الحوار سيدفع بالرئيس برّي إلى تليين موقفه من ترشيح العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، على أساس ان رئيس المجلس يحرص على الحوار، غير ان حسابات عون لم تتطابق مع بيدر برّي الذي قلب الطاولة وبدا وكأنه غير آسف على الحوار إذا كانت هذه الأجواء التي ستخيم عليه، كما ان «التيار» يتوقع ان ينعكس ما جرى في الحوار على عمل الحكومة أيضاً، وقد طلب العماد عون من «حزب الله» بالأمس التضامن معه في قرار عدم حضور جلسة مجلس الوزراء غداً، الأمر الذي لم يبدِ الحزب حماسه تجاهه، وإن كان قد وعد عون بدرس الموضوع.
وفي حسابات عون والكلام للمصادر السياسية ان تعميم الفراغ والشغور من الرئاسة إلى مجلس النواب، إلى الحكومة فالحوار سيخلق حالة فراغ عامة تدفع بكل القوى السياسية إلى الالتفاف حوله وانتخابه رئيساً للجمهورية.
وفي هذا الشأن يعطي بعض المحيطين بالعماد ميشال عون مثالاً على إمكانية حصول مثل هذا التحوّل، انتخاب بشير الجميل في العام 1982، حيث ان الخوف من الاجتياح الإسرائيلي دفع حتى بأخصامه ان يقبلوا به رئيساً للجمهورية حرصاً على عدم إسقاط لبنان كلياً تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وهنا يقول المقرّبون من عون انه يعتقد ان هذا الوضع الجديد في تعميم الشغور قد يدفع بأخصامه ويعني بهما الرئيس نبيه برّي وسعد الحريري إلى تأييده خوفاً من احتلال الفراغ لبنان.
وحول موقف رئيس الحكومة تمام سلام مما يجري تقول المصادر السياسية ان الرئيس سلام أجرى اتصالات مع بعض الوزراء بخصوص جلسة الحكومة يوم غدٍ الخميس ويبدو انه ماضٍ في انعقادها طالما ان النصاب مضمون، وهو يعتبر ان الميثاقية قائمة من خلال التنوع الطائفي الموجود داخل مجلس الوزراء، لكن الرئيس سلام بحسب مصادره يبقى حذراً، وهو الذي يضع الاستقالة في جيبه منذ أكثر من سنة ويجدد تاريخها من وقت إلى آخر وهو لن يتوانى في طرحها في حال شعر ان الرأي العام لا القوى السياسية لم تعد تريد هذه الحكومة.
وباعتقاد الرئيس سلام ان الرأي العام رغم كل انتقاداته للحكومة لا يزال يعتبر انها آخر مربع للشرعية ويتمسك بها ليس حباً بها إنما حباً بما تبقى من لبنان.