فيما يستعدّ المسلمون حول العالم لإحياء عيد الأضحى المبارك يوم الإثنين المقبل، ومع بدء حُجّاج بيت الله الحرام بأداء مناسك الحجّ كما كلّ عام، لا تزال المأساة التي سُجّلت العام الماضي في منى في البال(1)، في ظلّ الغموض الذي لا يزال يحيط بها، خصوصًا أنّ هناك الكثيرين من المفقودين الذين لم يعودوا إلى أهلهم ولم يُعرف مصيرهم حتى الآن.
وفي هذا السياق، كثيرةٌ هي الأسئلة التي تُطرَح اليوم، فهل دخلت القضية طيّ النسيان بعد عامٍ على حصولها؟ ومن يقتصّ للدماء التي سالت دون ذنب؟ وما هي الإجراءات التي اتُخِذت سواء في إطار المحاسبة، أو لتفادي تكرارها، لا سمح الله؟
بين الإهمال والتآمر
الأكيد، كما تقول مصادر تابعت هذه القضيّة منذ اليوم الأول، أنّ الدماء التي سالت قبل عامٍ في منى ما تزال حيّة، وهي تستصرخ الجميع للاقتصاص من الذين أسالوها دون وجه حق. وإذا كان النظام السعودي مداناً بما حصل، وفق هذه المصادر، نتيجة ما تصفه بإهمال أجهزته، فإنّ هذه الإدانة يجب أن تترافق مع إجراءاتٍ عملية، تتخطى دفع التعويضات لعائلات الضحايا وصولاً إلى البحث عن حلول لمنع وقوع مثل هذه الكوارث في المستقبل.
انطلاقاً من ذلك، تشدّد المصادر على أنّ المطلوب اليوم هو قيام حملة دولية شاملة تمنع المسؤولين عن مأساة منى من الإفلات من العقاب، ولا سيما أن ما حصل ما يزال في دائرة التحقيق في أسبابه ودوافعه. وفي حين تلفت إلى أنّ إدارة مرافق الحجّ تترك الكثير من الظلال وتفتح الكثير من الملفّات، موضحة أنّ حادثة منى لم تكن إلا واحدة من سلسلة أحداث حفلت بها مواسم الحجّ المتعاقبة، تعود بالذاكرة إلى ما سُرّب عن مسبّبات حادثة منى، لتطرح تساؤلاتٍ عميقة عن "شرعيّة" الامتيازات المعطاة للأمراء السعوديين، من دون مراعاة إمكانية تسبّبها بحوادث من النوع الخطير، كالذي سُجّل في منى، وفق الرواية التي تداولها الكثيرون حول مسبّبات الحادثة المأساوية، وإن لم يتمّ تأكيدها أو توثيقها.
خلل خطير؟!
وفي حين حرصت السلطات السعودية على طمأنة الحجاج خلال الأيام الماضية عبر القول أنّ أمنهم خط أحمر، وأنها ستسهر على حمايتهم، معتبرة كلّ ما يُقال بخلاف ذلك تسييساً للأمر، اتهم المسؤولون السعوديون إيران بالوقوف وراء ذلك، في محاولةٍ منها للحصول على مكاسب سياسية، خصوصًا أنّ لهجة الخطاب الإيراني المرتفعة إزاء السعودية بدت غير مسبوقة على الإطلاق.
وسواء صحّت هذه المقاربة أم لم تصحّ، فإنّ المصادر تعتبر أنّ أي إجراءات حقيقية وفاعلة لم تُتَّخَذ لمعالجة الخلل الذي أصاب موسم الحج الماضي، لتبقى فاجعة منى جرحًا كبيرًا في مراسم الحج، بل إنّ من شأنها أن تضع مصيره لهذا العام وللأعوام المقبلة على المحكّ، كما تقول المصادر، التي تلفت إلى أنّ إلزام الحجاج هذا العام بارتداء سوار الكتروني يحدد موقعهم وجنسيتهم وهويتهم(2)قد يكون وسط ذلك الإجراء الأهمّ الذي اتخذته السلطات السعودية.
إلا أنّ هذه الخطوة تطرح من جهتها علامات استفهامٍ عميقة، بحسب المصادر، التي تتحدّث عن "خللٍ خطير" شابها، "بل ربما يكون وراءها مؤامرة كبرى"، على حدّ تعبيرها، وهي تلفت في هذا السياق إلى أنّه تم تسليم إدارة هذا المشروع إلى شركة مشبوهة، "ما يضع هويات الحجيج وأمنهم في يد أعداء الأمة"(3). وتسأل المصادر في هذا الإطار: "كيف يسمح القيّمون على الحجّ لأنفسهم بالتعاقد مع شركة مرتبطة باسرائيل لإدارة مشروع يتعلق بالمسلمين عامةً؟ وألا يُعتبَر هذا الأمر تطبيعاً وتنسيقاً أمنياً معها، في ظلّ صمتٍ كامل من الأمة العربية؟"
إدارة إسلامية جامعة؟
إذا كان من نتيجةٍ أفرزتها حادثة منى قبل عام، فإنّها أعادت طرح إشكاليّة قديمة جديدة تتعلق بإدارة موسم الحج من قبل فئةٍ محدّدة من المسلمين، في حين أنّ الحج هو موسمٌ يخصّ كلّ المسلمين في العالم من دون استثناء، بغضّ النظر عن مذهبهم ولونهم وقوميّتهم.
وفي هذا السياق، تتوقف المصادر عند ما حصل في مؤتمر غروزني في الشيشان، لجهة إقصاء التيار الوهابي من التيار الجامع للمسلمين في العالم(4)، بوصفه مسألة مهمّة جداً، متسائلةً انطلاقا من ذلك "كيف يمكن السماح لتيار أقلوي متّهم بانتمائه للجامعة الإسلامية الشاملة بالتحكم بمراسم الحج"، مشدّدة على أنّ المؤتمر المذكور وضع الفكر الوهابي والفكر المتطرف في خانة مشبوهة، "ومن هم في هذه الخانة لا يصحّ أن يكونوا هم المتحكّمين بكيفية إدارة المرافق والمراسم لأهمّ حدث إسلامي جامع يحضره الملايين من المسلمين كل عام".
من هنا، ترى المصادر أنّ المطلوب هو تأمين إدارة إسلامية جامعة لموسم الحج ولمرافقه ومنشآته، تضم مختلف الدول الإسلامية، وتكون قادرة على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحقيق موسم حج آمن وناجح بكل المقاييس، على حدّ تعبيرها. وإذا كان تغييرٌ من هذا النوع لا يمكن أن يتحقّق بين ليلةٍ وضُحاها، فإنّ المصادر تقترح، كمرحلة انتقالية، اختيار لجنة من الهيئات الدينية الإسلامية المعتبرة والمشهود لها بالوعي والقدرة، لتتشارك مع السلطات السعودية في اتخاذ القرارات الأساسية المتعلقة بموضوع الحجّ.
وبعيداً عن الحساسيات الطائفية والمذهبية، ولا سيما لجهة الصراع السعودي-الإيراني الذي يفترض أن يبقى بعيداً عن حدثٍ ديني بحجم الحجّ ومناسكه، فإنّ الأكيد أنّ ما حصل العام الماضي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، وكأنّه لم يكن، وهنا فقط يكمن بيت القصيد...
(1)حادثة وقعت يوم النحر في منى، حيث تدافع الحجاج للوصول إلى منطقة رمي الجمرات مما أدى لمقتل المئات وإصابة قرابة ألف، واعتُبرت أسوأ كارثة تقع في موسم الحج منذ 25 عاما. وحسب معطيات السلطات السعودية، فإن 763 شخصا توفوا نتيجة حادث التدافع المأسوي.
(2)تكنولوجيا جديدة سيكون على الحجاج بموجبها حمل سوار إلكتروني مقاوم للماء ومرتبط بجهاز تحديد موقع "جي بي أس"، وسيحمل المعطيات الشخصية والطبية للحاج.
(3)سُلّمت إدارة هذا المشروع إلى شركة "جي فور أس" البريطانية، وهي المعروفة بتعاملها مع إسرائيل.
(4)مؤتمر عُقد في العاصمة الشيشانية (غروزني)، وحضره عدد من علماء الأزهر ومشايخ محسوبون على الطرق الصوفية، وأفتت توصياته بخروج السلفية والوهابية والإخوان المسلمين من دائرة أهل السنّة والجماعة.