بعد أن سرى حديث واسع عن الوصول في المفاوضات الروسية - الأميركية إلى تفاهم بشأن سورية، وتوفير حل للأزمة، يبدأ بوقف شامل للأعمال الحربية، توقّف فجأة كل شيء، بما يعيد إلى الذاكرة ما كان تم التوصل إليه في شهر شباط من هذا العام؛ بعد زيارة ناظر الخارجية الأميركية جون كيري آنئذ إلى موسكو، حيث تم التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار، بعد أن كانت عاصفة السوخوي التي بدأت رياحها الشديدة منذ 30 أيلول من السنة الماضية تلعب دورها في تغيير الوقائع الميدانية.
في اتفاقية شهر شباط المنصرم، سادها كمّ كبير من الخداع الأميركي، إذ إن هذه الاتفاقية التي التزم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، واستثنت "داعش" و"النصرة" من الاتفاق، لكن حلف الناهب الدولي والرجعي العربي وجدها فرصة لحشد القوى وشن عمليات واعتداءات واسعة، فقدّمت المملكة السعودية وقطر المال والأسلحة النوعية، ووفّرا مع تركيا دخول عشرات آلاف الإرهابيين من الحدود التركية.
وكان لافتاً في اتفاقية مطلع العام الروسية - الأميركية، أن الأميركي مصر على استعمال أكذوبة "المسلحين المعتدلين"، وبهذا شاهدنا فضيحة تغيير اسم "جبهة النصرة" إلى "جبهة فتح الشام"، لكن هذه اللعبة سرعان ما تمّ فضحها.
هذه المرة لم يختلف الحديث كثيراً في المفاوضات الأميركية - الروسية للوصول إلى تفاهم لتوفير حل للأزمة السورية، لكن سرعان ما كشف الروسي الخداع الأميركي، حينما حاول اليانكي توفير هدنة تحت عنوان "إنساني" أي إدخال المساعدات إلى مناطق الاشتباكات أو ما يسمى "المحاصرين المدنيين"، والتي غالباً ما تكون توفير مساعدات لوجستية وتسليحية للإرهابيين.
وكشفت محاولة "التشاطر" الأميركية أنها تريد أن تأخذ بالسلم ما عجزت عنه بالحرب والمؤامرات طيلة أقل من ست سنوات، ومنه:
1- عدم ترشيح الرئيس الأسد لولاية جديدة، وهذا أيضاً شرط من بائعي الكاز الخليجي بالإضافة إلى التركي، وهذا الأمر لقي رفضاً روسياً قاطعاً لأنه يعتبر خرقاً فظاً لسيادة الدولة الوطنية السورية.
2- ومادام الأميركي قرر تخريب الشرق الأوسط بذريعة نشر "الديمقراطية"، فلماذا لا يقبل في سورية بنتائج صناديق الاقتراع؟ ولماذا لا يطلب من حلفائه بائعي الكاز الخليجي اعتماد ولو حد أدنى من أشكال الديمقراطية في بلدانهم؟
3- ثمة معلومات واسعة وهامة رشحت من هذه المحادثات، مفادها أن الأميركي ومعه السعودي والقطري يريدون في سورية نوعاً من صيغة لبنان، أي تقاسم السلطة مذهبياً وطائفياً، أو نوعاً من صيغة الحكم في العراق، لتحويل الدولة الوطنية السورية العلمانية إلى دولة تقاسم مذاهب وطوائف، أي بمعنى آخر دولة تناحرات دائمة، ما يهدّد وحدتها ومصيرها ومستقبلها.
4- يلاحَظ في التشاطر الأميركي أنه بعد الانتصارات النوعية التي حققها الجيش السوري في حلب وحماه وريف دمشق، واحتمال دخول مناطق عديدة بدأت الاتصالات فيها لإنتاج مصالحات على طريقة داريا، وخروج الإرهابيين منها، سلسلة من الهجمات الإرهابية التي أودت بعشرات الشهداء من الأبرياء والمدنيين، في محاولة لإنهاك الجيش السوري وفتح جبهات جديدة تفتح ثُغَراً في أكثر من مكان حققت فيه الدولة الوطنية السورية انتصارات هامة، على نحو ما جرى في شهر شباط الماضي.
5- محاولات وقف الأعمال القتالية وفقاً لما تريده الولايات المتحدة وحلفها من بائعي الكاز العربي، كشف أيضاً زيف التركي وادعاءاته الكاذبة، كما فضح خداع تصريحاته عن محاولات فتح صفحة جديدة مع سورية ومصر، من خلال محاولات توغُّله في الأراضي السورية، واستغلاله حسن العلاقة مع طهران وموسكو ومطالبته بمنطقة آمنة على حدوده فيها حظر للطيران تمتد إلى مساحات واسعة لاحقاً، لنكون أمام مسرح ليبي جديد، وهو ما رفضته إيران وروسيا.
بأي حال، في مرحلة انعدام الوزن الأميركية جراء التحضير للانتخابات الرئاسية، ثمة محاولات ضغط غربية وخليجية وصهيونية لتحقيق أي نصر، سواء في سورية أو العراق أو اليمن، وهنا تتخوّف جهات عربية أمام المآزق السعودية المتعددة والغارقة في أزماتها وحروبها الإقليمية، بحيث تلقى أيضاً الصفعات العسكرية المتتالية، خصوصاً أن الجيش اليمني واللجان الشعبية و"أنصار الله" استطاعوا نقل المعركة إلى داخل الأراضي اليمنية المحتلة من قبل السعودية منذ أكثر من سبعين عاماً.
وهنا تتجسد مخاوف إضافية من توسيع رقعة التوترات في المنطقة العربية، خصوصاً في الدول التي لا تخضع للإملاءات السعودية، كحال الجزائر مثلاً، التي تشير المعطيات إلى محاولات لاستهدافها، حيث أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن جهاز الاستخبارات "الإسرائيلي" "الموساد" قلق من ترسانة الجيش الجزائري العسكرية، مؤكدة أن وزارة الدفاع الجزائرية رصدت ميزانية تصل إلى 13 مليار دولار لتسليح الجيش في العام الماضي، أغلبها كان لشراء طائرات حربية. وأوضحت الصحيفة "الإسرائيلية" أن قوة الجيش الجزائري وما يمتلكه من ترسانة حربية أهلته ليتربع في المركز السادس عالمياً من بين الدول الأكثر استيراداً للسلاح، كاشفة عن تأهُّب الموساد "الإسرائيلي" لمتابعة تنامي قوة البحرية الجزائرية، ومؤكدة أن البحرية الجزائرية عقدت صفقة مع الصين لاستيراد 3 طرادات من نوع "الشبح" ومن نوع سي-28أ، المزودة برادارات حديثة وتبرسانة متطورة.
إشارة إلى أنه رغم المسافة الجغرافية الكبيرة التي تفصلها عن الجزائر، إلا أن "إسرائيل" لا يمكنها إغفال قوة وخطورة الجيش الجزائري، ولمست ذلك إبان حرب 1973، وتفيد المعلومات هنا أن هناك نوعاً من التنسيق السعودي - "الإسرائيلي" - التكفيري لإشعال الفتنة في بلاد المليون ونصف مليون شهيد.. حمى الله الجزائر.