بعد نجاح الخطة الأميركية ضد السوفيات، عبر استخدام ما عُرف بـ"القاعدة" أو "المجاهدين والأفغان العرب"، الذين حاولت أميركا التخلُّص منهم في أفغانستان بعد تنفيذهم المهام المطلوبة منهم، وانتهاء الوظيفة التي تمّ تجنيدهم لأجلها، وأوقعتهم في أكثر من فخّ عسكري لقتل العدد الأكبر منهم، ثم أشعلت الخلافات بينهم عبر صناعة "طالبان"، التي استطاعت بدعم أميركي - باكستاني القضاء على كل الرموز والقيادات الأفغانية التي قاتلت السوفيات؛ من أحمد شاه مسعود، إلى رباني وقلب الدين حكمتيار وغيرهم، ثم هرب الباقون ممن عُرفوا بـ"الأفغان العرب" إلى بلدانهم الأصلية للاحتماء أو السجن أو البدء بتأليف الخلايا وتجميع الأنصار.
تعيد أميركا التجربة نفسها مع النسخة الجديدة من "القاعدة"، وفي مقدمتها "داعش" و"النصرة" وأخواتها، تحت وطأة فشل المشروع الأميركي في المنطقة، وهو يشارف على إنهاء ست سنوات من القتل والتدمير والإبادة والوحشية، نتيجة صمود محور المقاومة وتصدُّع الحلف الأميركي وتنافره.. تحاول أميركا تقليل الخسائر والاحتفاظ بسلاح الدمار الشامل الذي يمثّله التكفيريون، والذي يصل مداه إلى كل بقعة في العالم يقطنها مسلمون يتبعون المنهج "الوهابي".
لقد خسرت أميركا لقب اللاعب الأوحد في المنطقة، بعد أكثر من عشرين عاماً على احتكارها قيادة العالم، وتحصد نتائج فشلها وفق الآتي:
1- القبول مرغَمة على الشراكة مع روسيا في المنطقة، عبر الساحة السورية، والتي ستتمدد إلى العراق وتركيا وإيران واليمن وليبيا والجزائر..
2- اعترافها بالدور الإيراني - مواربة أو مباشرة - عبر الاتفاق النووي.
3- خسارة وحدة أدواتها في المنطقة، حيث بدأت بجبهة متراصة وموحَّدة تضم السعودية وقطر والإمارات وتركيا، وانتهت بالتنافر والخصام بين الإمارات والسعودية في اليمن، وبين قطر والسعودية في سورية ومصر، وبين تركيا والسعودية في مصر وسورية، وبين تركيا وأميركا في الداخل التركي، حيث يتصارع حليفا أميركا (غولين وأدوغان) على منصب القائمقام الأميركي على تركيا وهما ينهشان بعضهما بعد الانقلاب الملتبس في تركيا.
4- قبولها بالحل السياسي في سورية مع الرئيس بشار الأسد، وتراجعها عن شرط إسقاطه الذي رفعته مع أدواتها وتكفيرييها طيلة خمس سنوات.
5- غياب ما يسمى "المعارضة السورية" من الميدان العسكري ومن طاولة المفاوضات، وتجرُّعها "سمّ" الموافقة على القضاء على "داعش" و"النصرة"، بعدما تعبت في تأسيسهما وتمويلهما والاستثمار فيهما حتى النهاية.
6- اضطرارها لإنزال السعودية إلى الميدان اليمني، وتركيا إلى الميدان السوري، بعد فشل الأدوات التكفيرية من الانتصار ونجاحهما في ارتكاب المجازر والتهجير واستنزاف قوى محور المقاومة.
لكن السؤال الأساسي: إلى أين ستنقل أميركا بقايا هذه الجماعات التكفيرية بعد فشل إنجاز مهامها في سورية والعراق واليمن ولبنان؟
الخيارات والأهداف الأميركية متعددة ومتاحة، ومن تلك الخيارات:
1- إيران: عبر إذكاء النعرات المذهبية والقومية من بلوشستان إلى الأهواز، بالإضافة إلى حركة "مجاهدي خلق".
2- روسيا: عبر تكرار إثارة المسلمين في القوقاز والجمهوريات المسلمة في روسيا، والتي تحاول موسكو إقفالها في وجه "الوهابية التكفيرية"، حيث كان المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين في الشيشان بعنوان "من هم أهل السُّنة والجماعة"؟ والذي أخرج رسمياً ولأول مرة الحركة "الوهابية" من أهل السنة والجماعة، بموافقة الأزهر الشريف؛ في إطار استعادة دوره الذي صادرته "الوهابية" السعودية عالمياً وعربياً.
3- الصين: من خلال استغلال الأقلية المسلمة من الإيغور وغيرها، عبر إعلان تأسيس لواء "تركستان" في سورية.
4- إفريقيا: عبر الجماعات التكفيرية من "بوكو حرام" و"داعش" في ليبيا وتونس والصومال، لمحاصرة الاستثمارات الصينية في إفريقيا، والسيطرة على القارة الغنية، بعد نفاذ الثروات في الخليج العربي.
5- لبنان: بهدف حصار المقاومة وإشغالها في الداخل اللبناني، والاستعانة ببعض الفلسطينيين واللاجئين السوريين، الذين تسعى أميركا لتوطينهم، لقلب التوازن الديمغرافي في لبنان، وتهجير المسيحيين أو إلغاء تأثيرهم وشراكتهم في النظام، وإحداث غلبة مذهبية تنحو باتجاه التطرُّف، والقضاء على السُّنة المعتدلين، وتوزيع القيادة بين رؤوس متعددة، ليسهل استغلالهم في المشروع الأميركي - الصهيوني في لبنان.
فهل تنجح أميركا في توزيع أبنائها التكفيريين على الساحات العالمية، للاحتفاظ بتفوقها، أم يتّحد المتضررون لإنقاذ أنفسهم قبل فوات الأوان؟