تثير الغارة التي إستهدفت إجتماعاً لقادة الصف الأول في جبهة "فتح الشام"، وأدت إلى مقتل القائد العام لجيش "الفتح" أبو هاجر الحمصي، العديد من العلامات اللافتة على صعيد التعامل مع جبهة "النصرة" في صورتها الجديدة، خصوصاً أن جميع المعطيات تؤكد بأن الغارة نفذت من قبل التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني أن إعلان فك الإرتباط عن تنظيم "القاعدة" لم يبدل من نظرة واشنطن إلى الجبهة، التي تعلن حصر نشاطها العسكري بالساحة السورية.
وفي حين تُعَدّ هذه الغارة رسالة بالغة الدقة من جانب السلطات الأميركية، توضع في سياق التنسيق مع الحكومة الروسية للوصول إلى إتفاق يضع عناصر "النصرة" على رأس قائمة الأهداف، من الضروري التنبه إلى أنها تأتي في سياق التحضيرات للإعلان عن إندماج فصائل من المعارضة السورية المسلحة، التي تم الحديث عنها مطولاً، وبالتالي هي ستكون ضربة لكل الجهود التي تبذل، حيث أن هذه الفصائل، لا سيما حركة "أحرار الشام"، لن تكون متحمسة لوضع قادتها في دائرة الخطر، لا سيما أن عملية الغارة الأخيرة وقعت بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لإغتيال الصف الأول منها، في عملية لا تزال كافة تفاصيلها غامضة حتى اليوم.
إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن ما حصل يعني بشكل حاسم أن "النصرة" لن تكون شريكاً مقبولاً في أي مفاوضات سياسية مستقبلية، بغض النظر عن الخطوات التي تقوم بها لـ"تلميع" صورتها، بغطاء من بعض الجهات الإقليمية، وهو من ناحية أخرى يمثل رسالة إلى الفصائل المتحالفة معها بضرورة الإبتعاد عنها بأسرع وقت ممكن لحماية نفسها، لكن الأهم الإشارة الأميركية بأنها لا تمانع تقديم ورقة "فتح الشام" على طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي، الذي كان ولا يزال يُصر على توجيه ضربات لها، بسبب إرتباطها بقيادة تنظيم "القاعدة".
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الأمر قد يكون له، في الأيام المقبلة، تداعيات متناقضة، فالجبهة قد تجد أن خطوة الإبتعاد عن "القاعدة" لم يكن لها من نتائج تذكر إلا وقوع المزيد من الإنشقاقات في صفوفها، في حين كانت الغاية البقاء بمأمن عن الإستهداف وتشكيل فصيل موحد مع باقي الفصائل المعارضة، وبالتالي ستعود إلى الخطاب السابق، مع أن هذا الأمر لا يمكن تصوره من حيث المبدأ بسبب الصورة التي ستكون عليها من جراء ذلك، أو أنه قد يساعد في نهاية المطاف في إعطاء قوة دفع إلى المشاورات والإتصالات القائمة، بحيث لا يتأخر الإعلان عن مشروع الإندماج، لا سيما أنها عملت في الفترة السابقة على تقديم تنازلات مهمة في سبيل ذلك.
وفي حين برزت العديد من المعلومات عن أن الإجتماع المستهدف يأتي في إطار التحضيرات لإعادة إطلاق معركة فك الحصار عن حلب، بالإضافة إلى الكشف عن دور المستهدف في المعارك السابقة في المدينة، جاءت مواقف أغلب قوى المعارضة السورية لتزيد من المشهد تعقيداً، حيث لم يتردد معظمها في توجيه برقية التعزية والنعي، ومنح أبو هاجر الحمصي لقب "الثائر"، وكان أبرزها من الرئيس السابق لـ"الائتلاف الوطني السوري" السابق خالد خوجة، الذي رأى أن "إستهداف قادة فتح الشام نتيجة متوقعة لتعرقل مشروع الاندماج بعد إعلانه ونذير بعملية استهداف أوسع"، قائلاً: "رحم الله شهداء الثورة وفتح بصيرة قياداتها".
ما تقدم يعني، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، أن قادة الفصائل المعارضة، السياسية منها والعسكرية، لا يوافقون على تصنيف "النصرة" أو "فتح الشام" منظمة إرهابية، من قبل الولايات المتحدة والبلدان الغربية، في الوقت الذي يذهبون فيه إلى هذه الدول للحصول على الدعم، مع العلم أنهم كانوا يدافعون عنها حتى قبل إعلانها "فك الإرتباط" عن "القاعدة"، الأمر الذي من المفترض أن تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً في المرحلة الراهنة التي يتم فيها الحديث عن إقتراب موعد إنطلاق المسار التفاوضي.
في المحصلة، يحمل إستهداف "فتح الشام" في هذا التوقيت العديد من المؤشرات التي ينبغي التوقف عندها، ومن المؤكد أن تداعياتها على المشهد السوري ستكون كبيرة، لا سيما إذا ما كانت من ضمن قرار حاسم بالقضاء عليها.