استيقظ العالم اليوم على اتفاق هدنة أميركي – روسي لوقف القتال في سوريا يبدأ عند منتصف الليل من يوم غد الأحد. وبعد مخاض عسير، تمكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف من انجاز هذا الاتفاق الذي كانت قد بدأت تظهر ملامحه منذ أيام.
بين ليلة وضحاها، توصل القطبان اللدودان إلى اتفاق ميداني يجمد القتال في سوريا في أيام عيد الأضحى على الأقل، دون التطرق بشكل أساسي إلى الحلول السياسية أو المشهد السياسي العام في سوريا. كما شمل الاتفاق ادخال مساعدات انسانية إلى المناطق السورية بشكل عاجل.
وفيما اعتبر كيري أنه "لدى روسيا ولافروف القدرة للضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد لإنهاء النزاع والذهاب إلى طاولة المفاوضات"، لفت لافروف إلى "اننا أبلغنا النظام السوري بخطة اليوم ووافق على الالتزام بها".
فكيف تم التوصل إلى هكذا اتفاق بعد أشهر من المفاوضات؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصمد إلى ما بعد عيد الأضحى؟ ومن انتصر؟
يرى الكاتب والمحلل الإيراني حسين ريوار أنه "منذ بداية الأزمة السورية تواجدت أميركا في المشهد عبر دعم المعارضة المسلحة كما أن روسيا تدخلت في المشهد عبر وضع الفيتو في مجلس الأمن على مشاريع الدول الغربية في سوريا"، ويضيف ريوار: "مع الدخول العسكري الروسي إلى سوريا وصل التقابل الروسي الأميركي إلى أجواء غيبية بعد أن عملت أميركا على دعم المسلحين عبر تركيا والسعودية".
ويعتبر ريوار أن "روسيا وأميركا بعد 5 سنوات من المواجهة العسكرية والسياسية شعرا أنه يجب أن يكون هناك اتفاق لالتقاء المصالح بين البلدين مع مراعاة الوضع الميداني في سوريا".
من جانبه، يلفت الإعلامي المتخصص في الشؤون الروسية رائد جبر أنه "منذ شباط الماضي بدأت المفاوضات الفعلية بين روسيا وأميركا حينما وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما دعوة للمفاوضات"، معتبراً أن "هذه المفاوضات تأخرت بسبب الخلافات الواسعة بين البلدين إلى أن تقلصت في الآونة الأخيرة وانحصرت في التفاصيل الدقيقة مثل المساحات التي يجب أن ينسحب منها المسلحون ووصول الامدادات الانسانية وذلك تطلب جهداً لسد الثغرات".
وإذ يؤكد جبر أن "روسيا وأميركا كانا بحاجة إلى ضمانات للهدنة"، يلفت إلى أن "الصيغة التي تم التوصل اليها جيدة لكنها لن تدوم طويلاً بسبب غياب مراقبة التنفيذ وبسبب وجود بعض الألغام فيه".
وعن مدى صمود الهدنة، يرى جبر أن "هذه الهدنة سيتم الالتزام بها في الأيام الأولى لأن جميع الجهات بحاجة إلى "Time Out" إلا انه بعد ذلك وعند وصول الاتفاق إلى مرحلة فصل المعارضة عن الارهابيين سيكون هناك صعوبات وسنشهد على انتهاكات للهدنة". ويوافقه الرأي ريوار ويشير إلى أن "الالتزام بالاتفاق يبقى تحدياً لأنه حتى الآن كان هناك العديد من الاتفاقات التي لم تصمد وظهر أن المشكلة فيها هو الالتزام بالتطبيق وبالتالي اتفاق كيري لافروف سيبقى رهينة الأحداث المتسارعة في سوريا".
ويؤكد ريوار أن "أميركا تهدف في سوريا إلى بقاء الوضع على ما هو عليه فيما محور "روسيا – سوريا – ايران" يريد تغيير الوضع كله في سوريا والجانبان لم يتوصلا إلى أهدافهما"، لافتاً إلى ان "الاتفاق ليس لصالح أميركا رغم أنه يؤجل الحسم بالنسبة للمعسكر الآخر".
بدوره يشدد جبر على أن "الاتفاق فيه الكثير من التنازلات الا ان روسيا هي الأقوى فيه رغم الغاء الشرط الأساسي لروسيا وهو وجود حواجز أمنية روسية – سورية لمراقبة المساعدات الانسانية الداخلية إلى المعارضة والتي تم استبدالها بحواجز للأمم المتحدة"، مضيفاً "هذه الهدنة لا انتصارات فيها لأي خندق بل هي حاجة للجميع".
بعد أكثر من خمس سنوات على بداية الأزمة في سوريا، وبعد سلسلة "جنيف" التي لم تقدم أي جديد للشعب السوري على صعيد الهدنة الانسانية، ها هو اتفاق كيري لافروف الأخير قد فتح صفحة جديدة في عمر الأزمة وشكل منعطفاً في مسار الحرب هناك.