كُشف الكثير عن عملية انصارية ونُشرت معلومات غير واضحة عن عناصر تتعلق بها لناحية الهدف واسباب فشلها. وظلت عناصر اساسية طي الكتمان هنا بعضها:
كانت العملية كميناً معدا بناء على سلسلة معطيات، اولها واساسها، ان المقاومة تنبهت انه خلال الفترة السابقة للعملية، وتحديدا مع نهايات عام 1994، بدأ العدو بتنفيذ خطة العمل خارج الشريط المحتل.
وصارت شبكات التجسس ترصد المقاومين والقادة الميدانيّين، ومن ثم تتسلل مجموعات كومندوس اسرائيلية وتزرع عبوات، إما في سيارات او مركبات او على طريق الزامي يعبره هذا الكادر أو ذاك، ما تسبب باستشهاد عدد من الكوادر في عمليات بقي بعضها خارج التداول. وبعضها فشل ايضا. فوجدت قيادة المقاومة انّ من المفيد تحويل هذا التهديد الى فرصة لايقاع العدو في كمين يحقق سلسلة اهداف في الوقت نفسه.
وبناء عليه، سربت معطيات بوسائل مختلفة وصلت الى العدو، اتاحت له تحديد مكان قائد ميداني كبير في المقاومة. وباشر العدو عملية الرصد له، من خلال شبكات تجسس ارضية (بشريا) ومن خلال عمليات تعقب (لوجستيا). وعندما وجد العدو، ان هناك فرصة لتنفيذ كمين من خلال زراعة عبوة كبيرة، تضمن اصابة قاتلة للقيادي الميداني ومن يكون برفقته، تقرر البدء بالعمل على مشروع التنفيذ.
عند هذه النقطة، كان على المقاومة ان تدخل مغامرة هي الاكثر حساسية، بأن تُبقي القيادي تحت نظر استخبارات العدو، ما يعرّضه لاحتمال الاغتيال وربما من خلال الجو. علما ان اجراءات عدة كانت تعطي العدو اشارة الى ان عملية الاغتيال يجب ان تتم من خلال عمل يقوم به جنود في ساحة الجريمة نفسها.
ولكون المقاومة تعرف مسبقا نقطة الهدف، كان عليها تقدير خط تحرك العدو باتجاه الهدف والتوقيت. وفي هذا السياق، جاءت المعطيات الواردة من اعتراض اجهزة تقنية خاصة بالمقاومة لبث طائرات الاستطلاع الاسرائيلية، لتعطي فكرة عن مسارات ارضية يفكر فيها العدو، وكانت الطائرات تُجري عمليات مسح يومية لها، من اجل ضمان عدم حصول مفاجآت. وهو ما مكّن المقاومة من افتراض خط رئيسي وخطوط ثانوية.
وعليه، فقد اعدت المقاومة خطة من عدة مهمّات بينها:
المهمة الاولى، قضت بزرع مجموعات التخريب (وحدة الهندسة) عددا من العبوات الكبيرة، وذات الوجهة التفجيرية الواسعة على الطريق الرئيسي وعلى طرقات فرعية في المنطقة. واخذت المقاومة في الاعتبار، ان العدو، عندما يستعين بوحدة الشييطت، فهو يلجأ الى وحدة متخصصة متدربة على السير نحو عشرة كيلومترات، بعد انزالها على الارض من البحر او الجو، لاجل تنفيذ مهمتها. وهذه الوحدة تكون مزودة ليس فقط بمواكبة للفريق المعني بزرع العبوة، بل أيضا بفريق حماية يبقى قريبا من ساحة العمل، وهو ما ظهر عندما قرر العدو اللجوء الى البحر. ما جعل المقاومة تضع في حسابها ان مواجهة كبيرة قد تحصل. وبالتالي، كان على المقاومة ليس زرع العبوات فقط، بل ايضا، تنفيذ عمليات انتشار شبه يومية في المنطقة، وعلى نقاط محددة، بطريقة لا تحتمل اي تحرك من شأنه ان يعطي العدو اشارة الى ان هناك من ينتظره على الارض.
اما المهمة الثانية للمقاومة بعد منع الجنود من الوصول الى الهدف، فهي سحب القيادي من مكان وجوده بسرعة ومنع تعرضه لغارة معادية، وتأمين خط اخراجه من المنطقة بطريقة تمنع العدو من تحقيق هدفه حتى بعد وقوع جنوده في الكمين.
اما المهمة الثالثة، فكانت استغلال المواجهة والكمين المتفجر، لاجل تحقيق هدف كبير، وهو اسر جنود للعدو، سواء من الاحياء او حتى من القتلى.
بعد وقت غير قصير من الانتظار، حصلت المقاومة على اشارات قرابة منتصف الليل عن حركة معادية. فكانت المجموعات المعنية بالكمين في حالة الاستنفار الاساسية. وكانت قيادة المقاومة من الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى المسؤول الامني في حينه، الشهيد عماد مغنية (الحاج رضوان)، الى المسؤول الميداني والعسكري في حينه، الشهيد مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار)، اضافة الى اخرين، يتابعون تفاصيل ما يجري كل من موقعه. وبعضهم كان في مكان قريب جدا من ساحة العملية. حتى إن الشهيد ذو الفقار كان من الذين تفقدوا مسرح المواجهة قبل ان تصل القوات العسكرية والامنية الرسمية اللبنانية والاهالي الى المكان.
عند حصول الانزال، واقتراب المجموعة الاسرائيلية من الهدف، جرى تفجير عبوة كبيرة، ادى انفجارها الى انفجار عبوات كان يحملها جنود العدو، وخصوصا تلك التي كانت على ظهر الجندي ايتمار ايليا، الذي تمزق جسده الى اشلاء كاملة. وبعد دقائق قليلة، تدخلت قوة انقاذ لجيش العدو كانت قريبة من المكان، ثم تدخلت مروحيات مقاتلة للعدو شاركت في محاولة خلق حزام ناريّ حول مكان التفجيرات، ولمساعدة وحدة الانقاذ في عمليات الاجلاء، وخصوصا جمع اشلاء الجنود.
في هذه الاثناء، كان مقاومون يتقدمون في محاولة منهم لاسر جنود للعدو، وحصل ان اقترب احد المقاومين الى المسافة الصفر من احد جنود العدو، قبل ان تصيبه رصاصات من جنود في وحدة الانقاذ. بينما اطلق المقاومون النيران على الطائرات المروحية واصابوا احداها برصاص من دون تعطيلها او اسقاطها. ومن ثم عمد جيش العدو الى سحب جميع قواته في مدة زمنية قصيرة، بناء على إلحاح غرفة العمليات في الداخل المحتل. وهو ما اتاح للمقاومين بعد ذلك، المسارعة الى مسح سريع للمسرح، فجرى تفكيك عبوات لم تُستخدَم، وجمع مخلفات الجنود العسكرية وبعض الاشلاء. واتُخذ قرار باخلاء المنطقة قبل وصول الجيش اللبناني والقوى الامنية والاهالي وهذا ما حصل.