حدثان مهمان تستضيفهما نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري: اجتماع ترعاه الامم المتحدة في 19 أيلول مخصص لموضوع المهاجرين واللاجئين من بين أوراقه تقرير أعدّه بان كي مون يدعو الى توطين النازحين؛ وقمة دولية حول النزوح في 20 منه يرأسها باراك أوباما.

ورغم أن المؤتمرَين يثيران هواجس لبنانية في دعوات صريحة الى توطين النازحين، وحض الدول المضيفة على «البدء بالاجراءات القانونية لاعطائهم الجنسية». إلا أن الواضح أن الحكومة اللبنانية تذهب الى المؤتمرَين من دون رؤية موحّدة. وهو ما أكّده اتهام وزير الخارجية جبران باسيل، في مؤتمر الرابطة المارونية حول النزوح السوري أول من أمس، للحكومة بـ «الهروب والتقاعس عن اتخاذ أي إجراء فعلي لمواجهة النزوح السوري».

مصادر مطلعة عزت اتهامات باسيل الى «مماطلة» اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النزوح السوري. فعقب نشر الأمين العام للأمم المتحدة، في نيسان الماضي، تقريره الذي يدعو الى الاعتراف بحقوق اللاجئين في الاقامة والعمل وإتاحة الفرصة لتجنيسهم، عقدت اللجنة لقاءات عدة وناقشت مسوّدة اقتراحات قدّمها وزير الخارجية (حصلت «الأخبار» على نسخة منها ـــــ أنظر الاطار المرفق).

وتستند المسوّدة على فشل خطة الحكومة التي وضعت عام 2014 لوضع حد للنزوح السوري، وضرورة إسنادها بإجراءات لضبط النزوح وتقليص أعداد النازحين عبر إعادة من لا يستوفي منهم شرط النزوح الى بلده. وهي تدعو الى التعامل مع ملف المساعدات عبر الطلب الى الدول المانحة لى مساعدة المجتمعات المضيفة بالتساوي مع ما تقدمه للنازحين، وعدم الاستمرار في ترك الأمور على غاربها لمنظمات المجتمع المدني، المحلية والدولية، بعيداً عن رقابة الحكومة. وتلفت المصادر الى أنه «رغم تعديلات عدة أدخلها باسيل على المسودة بعد رفض ممثلي تيار المستقبل التواصل مع الحكومة السورية، بقيت الأمور تراوح مكانها. ليفاجأ وزير الخارجية باقتراح يدعو الى عقد اجتماعات على مستوى مندوبين عن الوزراء لإعادة كتابة الاقتراحات مجدداً، ما يشير الى أن هناك من لا يريد مقاربة جدية لهذا الموضوع وينوي إبقاءه في سوق الاستغلال السياسي والطائفي».

وكانت الحكومة أقرّت في تشرين الثاني 2014 «ورقة سياسة النزوح السوري» التي تضمّنت ثلاث نقاط رئيسية: تنظيم العبور عبر الحدود؛ تنظيم آلية منح المفوضية العليا للنازحين بطاقات النزوح بحيث تنزع من غير مستحقيها؛ وتقليص أعداد النازحين من خلال إعادة من يمكن منهم الى الداخل السوري أو إعادة توطينهم في دول ثالثة. وجاءت «الورقة» بعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر على استقالة الدولة ــــ تحت شعار النأي بالنفس ــــ من مهماتها في مواجهة الأعباء الاقتصادية والتنموية والأمنية والسياسية لموجات النزوح، واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة. ومع إقرار «الورقة» وبدء فرض إجراءات على المعابر لتقليص عدد الوافدين، طُلب من المفوضية التوقف عن تسجيل نازحين جدد. لكن المفارقة أن الأعداد استمرت في الارتفاع. توقف عدّاد المفوضية عن التسجيل، من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، توقف الأعداد عن الارتفاع مع الأخذ في الاعتبار الاضافات الجديدة الى أسر النازحين ومعظمها من الأطفال الحديثي الولادة. عملياً، تمكّنت الحكومة (جزئياً) من تطبيق البند الأول من «الورقة» (تنظيم العبور) عبر الاجراءات الحدودية وإلزام المفوضية بالتوقف عن التسجيل، فيما بقي البندان الآخران حبراً على ورق: فلم يجر تنظيم آلية منح بطاقات النزوح أو إعطاء السلطات اللبنانية المعنية حق تسجيل النازحين؛ ولم يسجّل أي تقليص في الأعداد سواء عبر إعادة من يمكن منهم الى الداخل السوري أو إعادة توطينهم في دول ثالثة.

وترى المصادر أن تصاعد موجة الارهاب في أوروبا، أخيراً، سيجعل من مجرد التفكير في تفعيل برامج إعادة التوطين ضرباً من الخيال، بالتزامن مع ضغوط دولية تُمارس على لبنان لعدم ترحيل من لا يستوفون شروط النزوح. وتلفت الى أنه بدلاً من ذلك، باتت كل المقاربات الدولية لأزمة النازحين ترتكز على إدماجهم في المجتمعات المضيفة، فيما «يتم دائماً التغاضي عن خيار عودتهم الآمنة (لا الطوعية) الى بلادهم».

مسودة إجراءات لتقليص أعداد النازحين

في ضوء التطورات الأمنية الخطيرة، وتزامناً مع سياسات دولية تدعو الى اندماج النازحين في أماكن تواجدهم، ترى الحكومة وجوب قيامها تدريجيا بخطوات تؤدي الى تشجيع السوريين للعودة الى بلدهم وهو الحل الوحيد الممكن لهذه الأزمة. وهذه الخطوات تتضمّن الآتي:

1 ــــ إقفال المعابر الحدودية أمام أي نازح سوري (منع الدخول لمن يحمل بطاقة نازح) ومنع الدخول الدخول الجماعي للمواطنين السوريين الى لبنان الا في الحالات التي يسمح بها القانون اللبناني وفي الحالات الاستثنائية، على ان تقترن بموافقة السلطات الامنية ووزارة الشؤون الاجتماعية، والطلب من السلطات الامنية المختصة التشدد في مراقبة المعابر الشرعية وغير الشرعية.

2 ــــ نزع بطاقات النزوح عن غير مستحقيها من خلال تنقيح جداول النازحين المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (اللوائح باتت في عهدة وزارة الشؤون الاجتماعية)، على أن تتم عملية التنقيح بحسب ما يلي:

أ ــــ مقارنة جداول المفوضية بالجداول الموجودة لدى الأمن العام والتي تسجّل أسماء المنتقلين عبر الحدود، وذلك لنزع بطاقة النزوح ممن يظهر إسمه على الجدولين.

ب ــــ الاعتماد على المسح الذي قامت به البلديات والسلطات المحلية والاستئناس بالآلية التي وضعتها وزارة التربية والتعليم العالي لجهة تسجيل المستفيدين على أن تعتمد بطاقة التسجيل لدى وزارة الشؤون الاجتماعية عوضاً عن الإقامات، وتحصر هذه الأخيرة بالسوريين غير النازحين.

ت ــــ اتخاذ اجراءات بحق من يخالف قوانين العمل اللبنانية في إطار مسح ميداني شامل للعمالة الشرعية وغير الشرعية بواسطة البلديات والسلطات المحلية والمخاتير والسلطات الأمنية، بما يسمح بالتمييز بين النازح الاقتصادي والنازح السياسي والأمني بالتعاون مع وزارتي العمل والاقتصاد والتجارة والسلطات الأمنية المختصة، وإعادته فوراً إلى سوريا.

3 ــــ اشتراط تقديم المساعدات المباشرة للسلطات الرسمية في لبنان حكومة ومؤسسات عامة وبلديات وللمجتمعات المضيفة مقابل قبول دخول مساعدات مباشرة إلى النازحين على قاعدة متساوية.

4 ــــ التأكيد على الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين واللاجئين بحسب ما نص عليه الدستور، وتسريع عمليات إعادة التوطين في دول ثالثة رغم تحفظاتنا على مبدأ إبعاد السوريين عن بلدهم.

5 ــــ التأكيد على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا، وأن الحل المستدام الوحيد لأزمة النزوح هو في عودة السوريين الآمنة إلى المناطق الممكنة داخل سوريا على دفعات ومراحل، والعمل مع الجهات المعنية لتهيئة ظروف هذه العودة.

6 ــــ التشدد في تطبيق الإجراءات التالية:

أ ــــ تسجيل الولادات: اعتماد الآلية القانونية التي تقضي بتسجيلهم في سجل الأجانب لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية على ان تجري متابعة تسجيلهم وفق الأصول لدى الدوائر السورية المختصة بحسب الأصول الدبلوماسية.

ب ــــ العمل على تسليم المحكومين السوريين في السجون اللبنانية إلى سوريا بحسب الأصول القانونية.

ت ــــ قبول المساعدات والمشاريع بعد عرضها على مجلس الوزراء وإقرارها ضمن الخطة الوطنية الواضحة المتوافق عليها في مجلس الوزراء بهدف عدم تشجيع السوريين على البقاء في لبنان ومساعدة المجتمعات المضيفة، على أن لا تتعارض هذه الإجراءات مع استمرارنا بالعمل بالبرامج القائمة حالياً مع الجهات الممولة.