على الرغم من بعض النجاحات التي حققتها الإدارة الأميركية، على مستوى الأزمة السورية، إلا أنه حتى الآن يسجل في حسابها إخفاقات كبيرة، لا سيما على مستوى العلاقة مع فصائل المعارضة السورية، التي تكفلت في إلزامها بتطبيق بنود إتفاق الهدنة، الذي تم التوصل إليه بين وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا ​سيرغي لافروف​، الأمر الذي يُفسر حرصها على بقاء أبرز بنوده سرية، في حين دعت موسكو أكثر من مرة إلى الكشف عنه بشكل كامل.

إنطلاقاً من هذا الواقع، يمكن فهم حقيقة مواقف أغلب الفصائل السورية المعارضة، التي عبّرت بشكل أو بآخر عن رفضها الإتفاق الذي تم التوصل إليه، لا سيما ما يتعلق باستثناء جبهة "​فتح الشام​"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، منه، في وقت كانت واشنطن قد أكدت قدرتها على دفع من تصفهم بـ"المعتدلين" إلى الإبتعاد عن الجماعات المتطرفة، ما إنعكس إتهامات لها بـ"المماطلة"، في وقت لم تجد حتى الآن من حليف فعلي لها على أرض الواقع إلا "​قوات سوريا الديمقراطية​"، ذات الأغلبية الكردية، التي بدورها تشعر بعدم قدرتها على تحقيق طموحاتها الإستراتيجية، نتيجة رغبة الولايات المتحدة بعدم إغضاب الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​.

يوم أمس، وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام معضلة جديدة، تمثلت بطرد عناصر من قواتها من منطقة دوديان والراعي، شمالي مدينة حلب، من قبل فصائل "الجيش السوري الحر" المدعومة من أنقرة، بعد أن دخلت لاستطلاع المنطقة وتسجيل مشاركتها في عملية "​درع الفرات​"، التي رافقتها عبر تأمين طائرات التحالف الدولي الغطاء الجوي لها، ما اضطرها إلى الإنسحاب من جديد باتجاه الأراضي التركية، على وقع صحيات: "الله أكبر"، وإتهامات لها بـ"الكفر".

ما تقدم يقود إلى معضلة واضحة، متمثلة بقدرة واشنطن على بناء نفوذ لها في المناطق الشرقية من سوريا، أي تلك الواقعة بالقرب من الحدود مع العراق، حيث عمدت إلى إرسال قواتها الخاصة بالإضافة إلى بناء المطارات والقواعد العسكرية، في المقابل عرقلت بعض القوى الإقليمية جهودها في أماكن أخرى، فما حصل في الراعي ودوديان لا يمكن أن يكون إلا رسالة من جانب أنقرة لها، لا سيما أن الأخيرة كانت قد عمدت مؤخراً إلى تشكيل عدد من الفصائل العربية، التي أعلنت رغبتها في محاربة "قوات سوريا الديمقراطية"، أبرزها الإجتماع الذي عقد في مدينة "أورفا"، جنوب شرقي تركيا، بين مسؤولي الفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة، لتشكيل فصيل جديد تحت مسمى "جيش عشائر تل أبيض"، الذي يهدف إلى محاربة "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على مدينة "تل أبيض" في ريف الرقة الشمالي.

الإجتماع الأخير، سبقته خطوات مماثلة في مناطق الرقة والجزيرة السورية، جيث تم الإعلان عن تشكيل "​كتائب أحرار الكورد​"، و"​سرايا القادسية​"، و"​أحرار الجزيرة السورية​"، في سبيل تحقيق الهدف نفسه، أي محاربة "قوات سوريا الديمقراطية"، التي عمدت، أول من أمس، إلى رفع العلم الأميركي فوق بعض النقاط في تل أبيض، في خطوة فُسرت بأنها لحماية نفسها من أي إستهداف تركي، في وقت نفى الناطق باسم ​وزارة الدفاع الأميركية​ ​بيتر كوك​، علمه بالأخبار بخصوص تعليق العلم، لافتاً إلى أن بلاده طلبت سابقاً من "شركائها" عدم القيام بمثل هذه الخطوة من تلقاء نفسهم.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن التأكيد بأن واشنطن لا تزال، حتى الساعة، عاجزة عن إدارة الخلافات بين حلفائها، أي الأكراد وتركيا، لا بل هي تواجه خطر إندلاع مواجهات عسكرية بينهم في أي وقت، بالتزامن مع فشلها في تنفيذ التعهدات التي قطعتها أمام موسكو، الأمر الذي قد يؤدي إلى إنهيار إتفاق الهدنة من جديد، خصوصاً أن روسيا لن تقبل بالتراجع عن إستهداف "النصرة" كما حصل في الفترات السابقة، من خلال العجز عن إبعاد باقي الفصائل عنها، لا سيما أن الأخيرة أكدت إحتضانها عناصر الجبهة في بيانات واضحة، تؤشر إلى أن هناك قراراً من بعض القوى الإقليمية بهذا التوجه، نظراً إلى أن هذه الفصائل لا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة من دون غطاء مباشر من قبل داعميها.

في المحصلة، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام ألغام في الساحة السورية، لا تنفصل عن تراجع أهدافها من إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد إلى تقاسم مناطق نفوذ مع الجانب الروسي، ولكن هل تنجح في تجاوزها؟