منذ أشهر طويلة، بدأ الحديث عن أهمية تحرير​الموصل​، من جانب القوى العراقية المعنية والولايات المتحدة الأميركية، وسط رهان على إنتفاضة شعبية تواكب إنطلاق العمليات العسكرية، لتكون الصدمة بظهور زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي ​أبو بكر البغدادي​ في المدينة، بعد ساعات على إعلان المرحلة الأولى من المعركة على لسان رئيس الوزراء العراقي ​حيدر العبادي​، الذي إختار أن يكون الأمر مباشرة بعد لقائه الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

من حيث المبدأ، تحمل كل الخطوات الحالية أهمية قصوى، فهي لا تأتي من العدم، خصوصاً أن هذه المعركة تعتبر من أولويات الإدارة الأميركية الحالية، في الوقت الراهن، نظراً إلى تداعياتها على السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، بين المرشحين الجمهوري ​دونالد ترامب​ والديمقراطية ​هيلاري كلينتون​، فالنجاح سيصب مباشرة في صالح كلينتون، في حين أن الفشل سيقود حتماً إلى ذهاب الناخب الأميركي نحو إختيار الملياردير المثير للجدل، الذي يركز في كل مناسبة على فشل الرئيس الحالي باراك أوباما في الحرب على الإرهاب.

من أبرز التحديات التي كانت تواجه الإدارة الأميركية، في الفترة الأخيرة، هي كيفية إدارة الخلافات العراقية في المرحلة التي ستلي القضاء على "داعش"، أو على الأقل طرده من الموصل، حيث النزاعات بين المشاريع المختلفة، لكن الوفد الذي رافق العبادي إلى نيويورك يوحي بأن هناك تفاهماً أولياً، نجح نائب وزير الخارجية الأميركي ​أنتوني بلينكن​، الذي زار العراق مؤخراً، بالوصول إليه، حيث شارك فيه كل من رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان ​فؤاد حسين​، مع العلم أن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها مسؤول من الإقليم في وفد رسمي عراقي منذ سنوات، بالإضافة إلى وزير الزراعة ​فلاح الزيدان​، وهو من أبناء الموصل وقائد أحد الحشود العشائرية فيها.

ما تقدم يعتبر إشارة من رئيس الوزراء العراقي بالإستعداد لمراعاة المطالب الأميركية، التي تريد أن تكون القوات الأساسية المشاركة في معركة الموصل من الأكراد والعشائر العربية، حيث أن المخطط هو أن يكون لها إدارة خاصة لمنع تكرار الخلافات التي كانت قائمة سابقاً، وهو ما عبر عنه أكثر من مكون محلي على مدى الأشهر السابقة، إلا أن العبادي إختار، قبل أيام، أن يوجه رسالة إلى ​الحكومة التركية​، التي تريد التدخل في المواجهات إنطلاقاً من "حق" حماية التركمان، يطالبها فيها بسحب قواتها من العراق، معتبراً أنها تعرقل جهود حكومته في محاربة "داعش"، مع العلم أن أنقرة تضع كل ثقلها لتكرار ما حصل في الشمال السوري في الموصل، وهي أنجزت كل الإستعدادات العسكرية لذلك، بالإضافة إلى تحالفها مع بعض المكونات العراقية التي تعتبر تدخل الأتراك ضمانة لها، لإنجاز مشروعها الخاص.

في خضم هذه التحولات على المستوى العراقي الداخلي، التي قادت إلى تحديد موعد المعركة الفعلية، في النصف الثاني من الشهر المقبل، بعد انطلاق عمليات تحرير قضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين وجزيرتي الرمادي وهيت في الأنبار، بالتزامن مع الرهان على إنتفاضة داخلية من أبناء الموصل، حيث لا تزال بعض الأحزاب قادرة على التأثير فيها، ظهر زعيم تنظيم "داعش" في المدينة، في ظهور هو الأول من نوعه منذ أشهر، حيث كان يستقل سيارة دفع رباعي بيضاء اللون وتحيطه ثلاث مركبات مدججة بالمسلحين، في مؤشر من التنظيم إلى أنه لا يزال يملك أوراق القوة في المدينة، وهو بالتالي لا يريد الإنسحاب من "عاصمة الخلافة"، كما يتوقع البعض، بل على العكس يريد خوض معركة الدفاع عنها، بعد الحديث عن إضطرابات داخلية في صفوفه، بالإضافة لضعف قواته نتيجة عمليات الإغتيال التي إستهدفت قيادات بارزة فيه، بالرغم من أن خيار الإنسحاب منها من دون خوض معارك قاسية يبقى قائماً.

في المحصلة، إنطلاق العمليات العسكرية باتجاه عاصمة "الخلافة الداعشية" سيكون خلال الأيام القليلة المقبلة، برعاية أميركية واضحة للإستفادة منها على المستوى السياسي، لكن التداعيات التي ستترتب عليها لن تتوقف في وقت قريب، لا سيما أن موعد القضاء على "داعش" بالعراق حدد بنهاية العام الحالي.