قدّم رئيس الحكومة تمام سلام في القمة الدولية بشأن النازحين في الأمم المتحدة خطة من أربعة بنود لـ"التعويض عن التقصير من قبل الأسرة الدولية في هذا الصدد"، مشددا على أن لبنان هو من أكثر الدول التي ساعدت النازحين السوريين في العالم. أعطى سلام النصائح للعالم وفي لبنان لا زالت الحكومة عاجزة عن حل هذه الأزمة المتفاقمة يوماً بعد يوم خصوصاً بعد تكرار العديد الاشكالات الأمنية بين النازحين والمجتمعات المضيفة لهم.
لم يطرح سلام أي موضوع خلافي خصوصاً بعد الأصوات التي دعت إلى توطين النازحين في أماكن تواجدهم، ولم يعطِ أي جرعة اطمئنان للبنانيين بأن التوطين لن يحدث على الأقل في لبنان.
فكيف يمكن قراءة خطاب سلام في الأمم المتحدة؟ ولماذا لم يطرح مسألة التوطين علناً؟ وما تاُثيرات هذا التباطؤ في حل الأزمة رغم تصاعد الأحداث الأمنية بين النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي طارق ابراهيم أن "سلام يسير على خطى تتناغم مع الرغبات العربية خصوصاً السعودية وبالتالي لا يمكن فصل موقفه عن توجهاتها"، معتبراً أن "سلام ينطلق من ثابتة ترفض التطرق إلى ملف النازحين السوريين إلا من بعده الانساني، وهذا يؤكد أن رئيس الحكومة إمّا تهرب من طرح أعباء النزوح على لبنان بشكل جهري أو تنصّل من دوره كمسؤول بطرح هذا الخطر على لبنان".
من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ادمون صعب أن "خطاب سلام كان متسامحاً مع العالم لأنه لا يمتلك موقفاً وطنياً موحداً بموضوع النازحين، وخصوصاً وأن موقفه في هذا الملف لا يمكن فصله عن موقف طائفته في لبنان"، معتبراً أن "رئيس الحكومة متعاطف مع النازحين ويعتبر نفسه تبعاً لقوميته العربية، مسؤولاً عنهم".
ويرى صعب أن "لدى سلام اعتبارين، الأول طائفي والثاني الاعتبار القومي العربي، وهذان الاعتباران ظهرا بقبول الجماعات المسلمة للنازحين السوريين"، مشيراً إلى أن "سلام وتيار المستقبل يعتبران أن من واجبهم تحمل التبعات الانسانية لهذه الأزمة".
ويوافقه الرأي ابراهيم، إذ يلفت إلى أن "موقف سلام يتناغم كلياً مع موقعه "السني" وبالتالي ابتعد عن ذكر التوطين ومخاطره في الأمم المتحدة وهذا لن يكون لصالح أي حوار لبناني قادم يطرح فيه أزمة النزوح"، مشيراً إلى أن "البعض يطرح هذا الموضوع انطلاقاً من حسابات طائفية مناطقية وآخرين أمنية وانسانية"، ومشدداً على أنه "كان يجب على اللبنانيين التوافق على هذا الامر الخلافي في ما بينهم قبل سفر سلام لأنه ذهب ولم يكن حاملاً لملفّ متوافق عليه لبنانياً".
أمنياً، يؤكد أنه "مهما حاول البعض تجنّب المسألة الأمنية وآثارها على لبنان فإن الوجود السوري يحمل في طياته ملاذات آمنة للارهابيين"، معتبراً أنه "اذا كنا منصفين فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهذا الوجود قد ينتج مظاهر أمنية ارتدادية، تشكل جزءاً من أزمة اجتماعية ستنعكس على اللبنانيين".
وبدوره يلفت صعب إلى "انني كنت آمل أن يكون صوت لبنان صوتاً حضارياً وليس صوتاً مستجدياً للعالم وطالباً للأموال والمساعدات"، موضحاً ان "سلام فوّت على لبنان لعب دور الصوت الصارخ في الأمم المتحدة وأن ينبّه المجتمع الدولي من الكارثة التي يمر بها لبنان ولديه مبرر لذلك فضمن كل 7 أشخاص في لبنان يوجد 5 لبنانيين وسوري وفلسطيني".
ويؤكد أن "الاشكالات الأمنية طبيعية جداً أن تحدث في هذه الظروف نظراً لاختلاف العادات ولعدم الانسجام بين المجتمعين"، ورأى أن "الحديث عن الاستقرار الأمني الّذي أمّنته الحوارات والتدابير الأمنية هو غير صحيح، لأن المجموعات الارهابية لا تمتلك المصلحة للقيام بعمليات أمنية كبيرة لأنها بذلك تهدد النازحين السوريين في لبنان وهذا ما لا تريده وبالتالي رغم سلبيّات هذا النزوح الأمنية والاجتماعية يبقى له هذه الحسنة الوحيدة".
لم يكن خطاب سلام إذاً على قدر التطلعات والتكهّنات، ولم يكن كفيلاً بحل أزمة النازحين المتنازع عليها بين الأفرقاء اللبنانيين. وكما ذهب سلام إلى نيويورك تاركاً خلفه الأزمة، سيعود دون حلول لها وهي المتفاقمة يوماً بعد يوم.