تعيش المملكة العربية السعودية أسوأ أيامها؛ كمملكة عجوزة تنهشها أميركا بصفقات الأسلحة الخيالية والوهمية، في أكثرها، وتُرهقها بتمويل الجماعات التكفيرية منذ حرب أفغانستان ضد السوفيات حتى "الربيع العربي"، وتُجبرها على دفع المليارات في كل اتجاه؛ مرة لدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي ضد "الإخوان المسلمين"، وأُخرى في تمويل الجماعات التكفيرية في سورية والعراق واليمن، وآخرها توريط السعودية في حربها ضد اليمن، التي نهشت احتياطها المالي وضربت هيبتها الإسلامية والعربية، وهشّمت صورتها العسكرية، حيث تمكّن اليمنيون "الفقراء" المحاصَرون من هزيمتها طوال 20 شهراً من الحرب، وبدأوا بالدخول إلى جنوب السعودية، ما حدا بها إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد الصواريخ اليمنية التي تضرب الداخل السعودي، في الوقت الذي تعلن تصدّيها لهذه الصواريخ.
تتوالى الضربات على "رأس المملكة" من ولي الأمر الأميركي، فها هو يستبدل الدور السعودي في سورية بالتدخُّل التركي، بعد خمس سنوات من التعب والتمويل السعودي، واحتكار وفد "المعارضة السورية" إلى جنيف باسم "معارضة الرياض"، والذي سيشاركه وفد "معارضة اسطنبول" كحدٍّ أدنى، أو يلغيه نهائياً ويحلّ مكانه، فالميدان يفرض التمثيل السياسي في المفاوضات، والأسوأ للسعودية أن "بناتها" التكفيرية "داعش" و"النصرة" وأخواتهما تمّ تصنيفها كمنظمات إرهابية في مجلس الأمن، وبموافقة أميركية، على الأقل علنية، وإن لم ينقطع الدعم الأميركي لهما، لكنهما أُخرجتا من دائرة الحل السياسي والشراكة في الحُكم بعد التسوية السياسية في سورية، وبالتالي تمّ قطع ذراعَي السعودية في سورية والعراق.
لكن الأخطر والأسوأ بالنسبة للسعوديين، والعائلة المالكة خصوصاً، إقرار مجلسَي الشيوخ والنواب في أميركا "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 أيلول 2001 بمقاضاة الحكومة السعودية طلباً للتعويضات، بسبب مشاركة بعض مواطنيها في هذه الهجمات، حيث ينصّ القانون على إزالة الحصانة السيادية لمقاضاة حكومات الدول المتَّهمة بالإرهاب، والسماح لأقارب الضحايا بمقاضاة حكومات هذه الدول، وكذلك مواصلة النظر في القضايا المرفوعة أمام المحكمة الفيدرالية في نيويورك بخصوص بحث أي دور للحكومة السعودية في الهجمات، ما يعني ابتزازاً مالياً ومعنوياً للسعودية سيطول زمانه وترتفع أرقامه، وتصبح العائلة المالكة وكذلك كل مؤسساتها رهن القضاء الأميركي وجشع أهالي الضحايا، ومراقصة أفاعي المخابرات الأميركية.
إقرار هذا القانون يؤكد أن الاستراتيجية الأميركية تقوم على نظام تأمين مصالحها وأمنها القومي دون اعتبار لمصلحة أي أداة أو حليف مفترَض، وأن المراهنة على الدعم أو الحماية الأميركية أضغاث أحلام وسراب، وإذا تخلّت أميركا عن مراعاة ومحاباة السعودية التي أعطت أميركا ما لم تُعطه أي دولة في العالم، ودون حدود؛ مالاً وجماعات تكفيرية وتغطية للاحتلال "الإسرائيلي" عبر مبادرة الملك عبد الله للسلام، وتغطية وتمويل التكفيريين في العراق وسورية واليمن ولبنان والعالم.. فهل يمكن أن تراعي أي دولة خليجية من الإمارات والمشايخ كالبحرين وقطر وغيرها؟ وهل يمكن الوفاء ورعاية الجماعات التكفيرية إذا تعارضت مع مصالحها؟
أميركا تنهش العائلة المالكة وتضعها في عهدة مقصلة المحاكم الأميركية وأهالي الضحايا، وتمّ تقزيمها إلى مستوى الخصومة مع أفراد وليس على مستوى الدول، فصار بمقدور أي شخص من أهالي الضحايا أن يدّعي على الملك أو أي أمير أو أميرة لكسر الغرور والهيبة المعنوية بعد كسر شوكتهم السياسية والاقتصادية، مقدِّمة لإنهاء عهد العائلة التي أنهت خلافتها في نظر الأميركيين، ولا بد من إعادة إنتاج نظام "خادع" يراعي مظاهر الديمقراطية، لكنه سيؤمّن المصالح الأميركية كما كانت العائلة المالكة.
"قانون العدالة ضد الإرهاب" سيبدأ بالسعودية ولن ينتهي بها، فسيطال إيران وغيرها، وسيكون مقدّمة لابتزاز الدول، بحيث تصبح مسؤولة عن أعمال مواطنيها ولو لم تعلم بأفعالهم.
لكن السؤال: هل ستبادر الدول إلى معاملة أميركا بنفس المستوى وتحاكم أميركا كدولة بسبب جرائم جنودها أو مواطنيها أو جواسيسها، وبالتالي يمكن مقاضاتها بسبب أي جرم أو إرهاب يقوم به مَن يحمل جواز سفرها؟
فلتبادر الدول والمنظمات والجمعيات لتقديم الشكاوى ضد أميركا نتيجة إرهابها في العراق وسورية واليمن وأفغانستان وغيرها.