إذا كانت لعبة "البيت بيوت" هي من ذكريات الطفولة في لبنان، لكنها على الأقل كانت لها القصة والسيناريو ومجريات الأحداث وأبطال المسرحية، وكانت تعطي لكلٍّ دوره التمثيلي، لكن ما يحصل على الساحة السياسية اللبنانية لا يعدو عن كونه مسلسل مسرحيات هزلية هزيلة، وكانت آخرها تلك الجعجعة التي حصلت الأسبوع الماضي، وكان أبطالها "جماعة تيار المستقبل"، الذي لم يحصل أن واجه حزب أو تيار سياسي ما يواجهه مؤخراً.
وفي غياب "البطل"، دارت أحداث هذه المسرحية والكل فيها أبطال: نادر الحريري، وغطاس خوري، وأحمد فتفت، وعمار حوري، وعاطف مجدلاني، وفؤاد السنيورة، ومحمد كبارة، إضافة إلى بطل غاب عن الخشبة ثلاث سنوات، وهو النائب السابق وكاتب ديوان الرئيس الحريري؛ باسم السبع.
وكي تكتمل مسرحية "البيت بيوت" في "بيت الوسط"، وفي معرض التحضير للمؤتمر العام لـ"تيار المستقبل" يومي 15 و16 تشرين الأول المقبل، حضر النائب السابق باسم السبع وترأس اجتماعين للمكتب السياسي، مع حديث قديم جديد بأن الأمين العام أحمد الحريري ينوي تقديم استقالته والاستقرار في تركيا بعد انتهاء أعمال المؤتمر، وكل الأخبار تنقل عما يحصل داخل "التيار الأزرق" من داخله، وكل الأخبار يتمّ نفيها ونكرانها أيضاً من داخله، وقد أطل أحد القياديين الشباب يوم الأحد الماضي ليعلن عن إمكانية "التأجيل التقني" للمؤتمر، رغم أن أوراق العمل والنظم التأسيسية والهيكليات المناطقية باتت جاهزة.
في الموضوع الرئاسي، وبدل أن تصدر بيانات الرئيس الحريري عن مدير مكتبه نادر الحريري، نسبت وسائل إعلام كلاماً للأخير مفاده أن "تيار المستقبل" قرر انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في جلسة 28 أيلول، ولم يرد أي ردّ إيجابي أو سلبي من نادر الحريري، بل تولاه النائب عمار حوري، ونفى ما نُسب لمدير مكتب زعيم "المستقبل"، وأكد أن الخيار ما زال على حاله بتأييد النائب سليمان فرنجية، وبالغ في اجتهاداته بحق العماد عون، ووصف الرئيس القوي بأنه ليس القوي في بيئته، بل من تقبله كل البيئات، والمنفتح على الجميع، والقادر على إقناع الجميع بأنه قوي.
ولكي تكتمل المسرحية بغياب "البطل"، كان الردّ الناري اللاذع من النائب محمد كبارة على مهاجمة اللواء أشرف ريفي للرئيس سعد الحريري، وتعرض كبارة في هذا الرد للعماد عون، متهماً ريفي بأنه "عوني"، واستحضر روح الرئيس رفيق الحريري لـ"يلعن" كل من يتنكر لمسيرته.
وانبرى بدوره النائب أحمد فتفت ليُنكر ما نُقل عن نادر الحريري، وتلاه النائب عاطف مجدلاني في حديث عن مواصفات عامة للرئيس، ليطلع في النهاية الرئيس السنيورة "طلعته"، ويجتهد بالنيابة عن الرئيس الحريري، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر بالنسبة للتقارب بين "التيارين"؛ الأزرق والبرتقالي.
وفيما النائب السابق غطاس خوري جوجل الأفكار في معراب والمختارة لإعادة ترميم "14 آذار" والبحث في الملف الرئاسي، عرّج على بنشعي في زيارة تبدو أنها لـ"الوقوف على الخاطر"، لكنه تحدث بعدها عن خيار شخصية وسطية تستبعد عون وفرنجية، بحيث يتبين أن لا أحد يجاهر داخل "تيار المستقبل" أنه لا بد لحل الأزمة من انتخاب عون رئيساً سوى الوزير والنائب نهاد المشنوق، الذي يبدو أنه من ضمن نواب على عدد أصابع اليد الواحدة في "تيار المستقبل" الذي يمكن أن يسير بالعماد عون.
وبما أن حجم الصقور في "تيار المستقبل" يفوق عدد الحمائم بأضعاف، فلا يمكن أن ينتخب "الزُّرق" العماد عون مادامت "السما زرقا"، لكن يخشى أن تغدو السماء رمادية مع اقتراب تشرين، خصوصاً أنه بداية استحقاق المُهَل الدستورية للانتخابات النيابية المقرَّرة حُكماً في ربيع 2017، ولا بد من رئيس قبلها أو بعدها مباشرة لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتشكيل حكومة، والجواب وسط هذا التخبُّط ليس في "بيت الوسط"، بل جاء قاطعاً جازماً حاسماً من الضاحية، وعلى لسان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي عاد لتأكيد المؤكَّد؛ أن لا خيار أمام الفريق الآخر سوى العماد عون، أو العماد عون، حتى ولو طال أمد الفراغ الرئاسي أشهراً وسنوات، ما يعني أن "السما الزرقا" في لبنان لن تبقى على زرقتها، وأن غيوماً تشرينية قادمة إلى الأجواء، سواء من ريف حلب أو من ريف دمشق، تترافق مع كثبان رملية من هزائم السعودية في اليمن، وبغياب القدرة السعودية على التأثير، وإقالة ملتبسة للسفير العسيري، فإن المسألة لم تعد تقتصر على شخص الرئيس، بل باتت بين من يحكمون الواقع الميداني الإقليمي والداخلي، وبين من يحلّقون في عالم المكابرة ولن ينتخبوا عون مادامت سماؤهم "زرقا".