هل هي حقيقة أن الولايات المتحدة تريد ويهمّها محاربة الإرهاب "القاعدي" و"الداعشي" في سوريا والعراق وأفغانستان أو في أي مكان؟
ثمة وقائع عديدة في السجل التاريخي لواشنطن يؤكد أنها مصدر كل إرهاب، وأنها المنافق الديمقراطي الأول، وهنا لن نغوص في تفاصيل جرائم الإنسان الغربي الأبيض التي يندى لها جبين الإنسانية في استيطان واستعمار واستعباد القارة الجديدة من قبَل مجموعات اللصوص والقراصنة وشُذاذ الآفاق، حيث أبيد ملايين البشر من سكان القارة الأصليين، الذين يطلقون عليهم "الهنود الحمر"، ولا في الغارات والقرصنة على شواطئ القارة السمراء، حيث كان الأبيض الأوروبي يخطف الرجال والنساء والأطفال السود، ويضعهم في أقفاص ويسترقهم عبيداً، ناهيك عن الجرائم الفظيعة التي كانت ترتكب في المحيط بحق هؤلاء "العبيد"، حيث كان يرمى كل من يمرض في مياه المحيط، وكان يُقتل بفظاعة كل من يشكو من جور الأسر خلال رحلة الاستعباد.
في عمليات الغزو والقرصنة الأميركية في العالم، كان يتم القتل حتى لحلفاء اليانكي، وللناس الأبرياء في مناطق سيطرته، وكان ذلك بحجة الخطأ أو سوء التقدير، أو أي حجة أو ذريعة، وكثيراً ما أُطلق على هذه العمليات "نيران صديقة"، وإن كانت تُرتكب فيها أبشع المجازر التي تنتهي بـ"Sorry" الأميركية.
"النيران الصديقة" هي إذاً تعبير أطلقته الولايات المتحدة، في البداية كان الأمر نتيجة خلافات تنشأ بين الجنود الأميركيين جراء أعمال خسيسة، كالتنافس على الاغتصاب أو السرقة، والسباق على قتل مواطنين عُزَّل، فكان الجنود يتنافسون بالعراك فيما بينهم ليتطور إلى إطلاق نيران، فيُقتل من يُقتل، ويُجرح من يُجرح.
أبرز فظائع "النيران الصديقة" من قبَل الأميركيين، في أفغانستان، خصوصاً مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي، حيث تغير الطائرات على حفلات زفاف واحتفالات شعبية، فيُقتل العشرات، بهدف خلق تعاطف مع "القاعدة"، لبقاء سيطرتها بعد اندحاره، وفي العراق منذ الغزو الأميركي في نيسان عام 2003، وفي سوريا منذ بدء ما يسمى "عمليات التحالف".
في العراق، كثير من العمليات الإرهابية التي كانت تحصل ضد المواطنين الأبرياء كان يتم تجهيزها على الحواجز الأميركية، حينما كان يسأل الجندي الأميركي سائقاً عراقياً إلى أين يتوجه، وحين معرفة هويته وانتمائه المذهبي كان يساق إلى التحقيق، ليتم خلالها تفخيخ سيارته، وتوقيتها حسب المسافة التي تفصله عن المكان الذي يقصده، وحين ينتهي إنجاز هذا العمل الإجرامي، كان يطلَق سراح السائق الذي لا يعلم بما جرى، وتكون الجريمة الكبرى، وكل ذلك بهدف إشعال فتن مذهبية وقبَلية، وإثارة ردّات فعل واسعة.
ومع "انبعاث" التنظيم الإرهابي "داعش"، واندلاع المواجهات الواسعة معه، أثارت المواجهات العسكرية معه الشكوك، إذ سارعت واشنطن إلى إطلاق ما يسمى "التحالف الدولي"، وتلخّصت الجهود الأميركية بشن عدد من الغارات على مواقع "داعش" يومياً، لكنها في كثير من الأحيان كانت دعماً لهذا التنظيم الإرهابي، بحيث كانت تستهدف بشكل عنيف القوات العراقية المحاصرة للإرهابيين، كما حصل في محيط مدينة الموصل نهاية عام 2014، حيث أعلنت واشنطن أنها كانت ترغب في استهداف "داعش"، لكنها بالخطأ استهدفت الجيش العراقي، ما سمح للتنظيم الإرهابي بالتمدد.. وغيرها الكثير من الأمثلة التي تقدم عن دعم الأميركي لـ"داعش"، سواء بفك الحصار القاسي عنه في موقع ما بغارة تسهم في فك الحصار وانفلاش الإرهاب، أو في رمي المواد والمساعدات الغذائية من الطائرات للإرهابيين، وذلك أيضاً بحجة الخطأ.
وقد حصل مثل ذلك في معركة عين العرب "كوباني" السورية، حينما رمت الطائرات الأميركية المساعدات الغذائية للأهالي المحاصرين، فإذا بها تُرمى في مناطق تسيطر عليها "داعش".
في دير الزور السورية هذه المرة، زعمت واشنطن كعادتها أنها أخطأت باستهداف موقع الجيش السوري، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 62 جندياً وجرح أكثر من مئة، وحاولت أن تبرر جريمتها بأشكال مختلفة.
لا يمكن لأحد الزعم بأنه تفاجأ باكتشاف علاقة الولايات المتحدة بعصابات "داعش" بعد الغارات الأميركية التي مهّدت لتقدُّم "داعش" إلى مواقع عسكرية سورية قرب مطار دير الزور، فجميع يافطات الإرهاب والتكفير في المنطقة منتجات أميركية بدون استثناء، مباشرة أم بالواسطة، وبالذات يعرف كثيرون أن "داعش" مولود اميركي محكم الربط تم التخطيط لظهوره ولانتشاره ولتسويقه، ورُسمت له وظيفة في الخطة الأميركية لمنع التواصل البري بين سوريا وكل من العراق وإيران، ولتسعير الأحقاد المذهبية في العالم الإسلامي، وتعميم التوحُّش، وهذا التنظيم هو عمليا ثمرة عقود من الشراكة الأميركية البريطانية الفرنسية مع المخابرات السعودية والقطرية والتركية والأردنية في رعاية الإرهاب والتطرف لتنفيذ الخطط الاستعمارية.
غارة دير الزور الأميركية ليست غلطة ولا مصادفة، بل فعل عدواني هجومي مدبَّر، مع سبق الإصرار والتخطيط، ولها غاية محددة هي منع الجيش العربي السوري من تسييل نتائج اتفاق وقف العمليات القتالية بتحرير محافظة دير الزور وإعادة فتح الحدود العراقية السورية لاحقاً، وبالتاكيد فإن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من المعلومات عن خطوات حشد وتحضير عسكرية سورية وروسية، بل وما يمكن أن يكون قد جرى من اتصالات ومداولات سورية عراقية إيرانية روسية بهذا الشأن والغارة هي رسالة اعتراض بدأت تلقى الرد المناسب؛ بإعلان الجيش العربي السوري إنهاء الهدنة وبدء عملياته الواسعة مع حلفائه ضد الإرهاب.