يكثر الحديث اليوم عن الميثاقية والعيش المشترك والدعوة الى النزول الى الشارع لتحقيق المطالب السياسية لهذا الفريق او ذاك، ومقولة "شارع في مواجهة شارع" وذلك في خضمّ أزمة النفايات وإستعصاء حلّها، وروائح الصفقات التي تطغى على روائح النفايات في شوارعنا، وسمسرات النفط وتقاسم الحصص وبواخر الكهرباء المقطوعة، إلى ما هنالك من هموم حياتية للمواطنين تدفعهم إلى اليأس والهجرة.
بداية ما هي الميثاقية؟
نرى أنها تنحدر من ميثاق وهو العهد غير المكتوب بين اللبنانيين منذ الإستقلال المزعوم بتقاسم السلطة مناصفة بين الطوائف ونسبيًا بين مذاهب كل طائفة، وقد ورد في الفقرة "ي" من مقدمة الدستور أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
لكن هل ميثاق العيش المشترك هو عرف تقاسم الطوائف والمذاهب للسلطة والمراكز الإدارية والقضائية والأمنية؟ أم تحالف قوى السلطة من كل الطوائف والمذاهب، المختلفة ظاهرًا على "حصص الطوائف" والمتضامنة فعلاً على نهب خيرات الدولة وهدر المال العام لصالح المنافع الشخصية لزعماء الطوائف؟
هل ميثاق العيش المشترك يقضي بأن يبقى رأس الدولة مقطوعاً ومجلس النواب معطّلاً وحكومة تناقضات لا تعمل إلا لتمرير الصفقات والسمسرات، بينما النفايات تملأ الشوارع والأزقّة، والأوبئة والأمراض تجتاح بيوتنا؟
وهل يرضى المواطن اللبناني بأن ينزل إلى الشارع لتحقيق "الميثاقية" الصورية، بينما لا هم له إلا تأمين قوته اليومي وحقه بالحياة في بيئة نظيفة؟
هل يلبّي المواطن اللبناني دعوات "زعمائه" الطائفية والمذهبية وينسى أنهم هم من حرموه الماء والكهرباء ونظافة البيئة وفرص العمل؟
هل ينجرّ المواطن اللبناني الى الخطاب الطائفي ولا يلبّي دعوات مجموعات الحراك الشعبي بالنزول الى الشارع ومحاسبة الفاسدين في هذه السلطة وما أكثرهم؟
وهل يسكت المواطن عن صفقات النفايات في الطمر والتلزيم للشركات التي هي شريكة السلطة في الفساد والإفساد؟
هل يحاسب المواطن أركان السلطة الذين لهثوا لتنظيف مجرى نهر الليطاني بـ 800 مليون دولار، بينما تنظيف حوض نهر السين في فرنسا والذي يبلغ طوله وعرضه وعمقه أضعاف أضعاف نهر الليطاني، قد كلّف 38 مليون يورو فقط؟
هل يقنع المواطن بخطّة هذا الوزير أو ذاك بطمر النفايات في مناطق سكنية مكتظّة كبرج حمود و الكوستابرافا، بينما أكّد خبراء البيئة أنه لا حاجة البتّة للطمر، ويمكن معالجة النفايات بالفرز والتدوير وتحويل النفايات إلى طاقة وسماد؟ وهذا الحل البيئي النظيف يوفّر فرص عمل للبنانيين في معامل الفرز والتدوير، في وقت تندر فيه هذه الفرص أمام الشباب اللبناني.
هل يعرف المواطن أن شركة المولّدات الكهربائية والتي تملك باخرة فاطمة غول المختصّة بتوليد الكهرباء قد قامت بعملية تسويقية، قبيل الإنقلاب الفاشل في تركيا، إذ دعت إعلاميين لبنانيين لقضاء إجازات مدفوعة من الشركة، لمحاولة إسكاتهم، تمهيداً لإمكانية إستئجار باخرة ثانية في المستقبل بعد فشل السلطة في إيجاد حل للكهرباء؟
لماذا هذا الصمت المطبق والسكوت عن فسادِ اضحى معشعشاً في إدارات الدولة كافة، فلا يمكن إنجاز معاملة في الإدارة إلا بمساعدة وسيط يقبض ليرشي الموظفين؟
لماذا السكوت عن جرائم النفايات والماء والكهرباء وإرتفاع الأقساط المدرسية دون رادع، وإنعدام فرص العمل، وكلها هموم حياتية يومية للمواطن، بينما يلبّي هذا المواطن المطعون بلقمة عيشه ورزقه ومستقبله، دعوات زعمائه الذين يحرّكونه غرائزياً وطائفيا لأهداف ليست خافية على أحد؟
ايها المواطن لا تسكت عن جرائمهم، لا تنقد للغرائز الطائفية والمذهبية، اركان السلطة متّفقون على نهب المال العام، وقد تقاسموا الجبنة فيما بينهم وأنت على قارعة الطريق تستجدي الرزق الحلال.
إن دعوات مجموعات الحراك الشعبي المتتالية لمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن تراكم المفايات في الشوارع موجّهة إليك، فلا تكن لا مبالياً، ولا يائساً من تغيير تستطيع أنت إحداثه، ولا تستخفّ بقدرتك على الإطاحة بحيتان المال والسلطة...
ايها المواطن، إن صوت الشعب هو من صوت الله... فلا أحد يستطيع إخفاء صوت الله.