بعد مشادات وتجاذبات أميركية ـ إسرائيلية، ومعاندة من رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومحاولاته تأجيل توقيع الاتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على قيمة المساعدات الأميركية لـ إسرائيل للسنوات العشر المقبلة، رهانا على مجيء إدارة جمهورية إلى البيت الأبيض تكون أكثر سخاء من إدارة أوباما في دعم إسرائيل، عبر رفع قيمة المساعدات إلى 50 مليار دولار تطالب بها تل أبيب، عاد نتانياهو ووافق على السقف الذي حددته إدارة اوباما، والمقدر بـ 38 مليار دولار، الأمر الذي اعتبر بنظر المحللين الصهاينة رضوخاً من قبل نتانياهو للشروط الأميركية التي تضمنت إلى جانب خفض المبلغ، الذي فاوضت عليه إسرائيل من 50 مليار إلى 38 مليار، إلزام الحكومة الإسرائيلية بإنفاق المساعدات المالية في الولايات المتحدة الأميركية.
إن هذه النتيجة للمفاوضات الاميركية الإسرائيلية على صفقة المساعدات، والتي جرى توقيعها رسمياً الأسبوع المنصرم في واشنطن إنما تؤكد جملة من الدلالات المهمة:
الدلالة الأولى: إن إدارة نتانياهو أدركت أن تأجيل الصفقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لن يكون في مصلحة إسرائيل لناحية تحسين شروط الصفقة. فالرهان على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في حال فوزه، لا يبدو انه سيقود إلى الحصول على صفقة أفضل بعدما تبين أن ترامب سيكون أكثر تشدداً وتقشفاً في تقديم المساعدات وشروطها، لاسيما وأنه يطرح في حملته الانتخابية أولوية خفض المساعدات الخارجية، وعدم الموافقة على شن حروب جديدة بقصد معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، وتحسين الظروف المعيشية للأميركيين، وتوفير فرص العمل لهم، بعد أن أدت أكلاف حربي العراق وأفغانستان إلى التسبب بأكبر أزمة اقتصادية ومالية لأميركا عام 2008. الدلالة الثانية: على الرغم من أن قيمة المساعدات الأميركية لم تصل إلى الطموح الإسرائيلي إلاّ أن هناك شبه اجماع لدى المحللين والمراقبين بان ما جرى يعتبر اكبر صفقة مساعدات أميركية في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية. فإدارة أوباما رفعت قيمة المساعدات الممنوحة لـ إسرائيل سنوياً نحو 800 مليون دولار، وذلك لدعم برامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلي وضمان استمرار التفوق النوعي للقوة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة.
الدلالة الثالثة: إن الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل يحصل في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها الولايات المتحدة وإجراءات التقشف التي اتخذتها إدارة اوباما لمواجهة هذه الأزمة، ومثل هذا الالتزام يثبت أيضا أن إسرائيل إنما هي بمثابة ولاية أميركية الأكثر دلالاً وتحظى باهتمام الإدارات الأميركية لناحية دعمها، لما لـ إسرائيل من دور هام في هذه المنطقة الحيوية والهامة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للمصالح الأميركية.
الدلالة الرابعة: إن أميركا تريد رفع منسوب القوة الإسرائيلية وقدراتها بما يمكنها من مواجهة التحديات المقبلة نتيجة تبدل المعادلات الدولية والإقليمية بفعل تراجع الهيمنة الأميركية من ناحية، وزيادة منسوب الاهتمام الأميركي في منطقة المحيط الهادي لمواجهة ازدياد النفوذ الصيني في شرق آسيا من ناحية ثانية، لاسيما بعد أن نجحت الصين في تقديم نموذج في العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة يقوم على المصالح المشتركة وتعزيز التنمية والتبادلات التجارية بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية التي تتبعها السياسة الأميركية.
الدلالة الخامسة: أظهر تشدد إدارة أوباما في عدم الاستجابة لطلب إسرائيل رفع قيمة المساعدة إلى خمسين مليار دولار وحصر التمويل الأميركي في رزمة واحدة، وعدم طلبها أي معونة أضافية من الكونغرس، إضافة إلى حظر استخدام الأموال لشراء منتجات الصناعات الإسرائيلية، وإلزام إسرائيل إنفاق هذه الأموال في الولايات المتحدة، أظهر كل ذلك أن أميركا لم تعد بحالة من البحبوحة كي تستجيب لكل ما تطلبه إسرائيل، أو السماح لها بان تتصرف بالمساعدات كيفما تشاء.
انطلاقا مما تقدم، يمكن القول أن الدعم الأميركي لـ إسرائيل ليس جديداً وهو قديم ويتجدد باستمرار ولهذا فان موقف أميركا من القضية الفلسطينية موقف عدائي، ومنحاز إلى جانب إسرائيل وعدوانيتها، وإذا ما ظهر أي تباين تكتيكي بين واشنطن وتل أبيب إنما من منظار رؤية الإدارة الأميركية لكيفية خدمة المصلحة الإسرائيلية وليس العكس، وهو أمر دفع إدارة اوباما لممارسة الضغط على إدارة نتانياهو للقبول بالسير في التسوية مع السلطة الفلسطينية على أساس حل الدولتين لأن الظروف العربية اليوم وموازين القوى تصب في مصلحة الموقف الإسرائيلي في الحصول على أفضل صفقة تسوية ممكنة، وهذه الفرصة قد لا تتكرر لأن الظروف الدولية والإقليمية مقبلة على تبدل، وإسرائيل عندها ستكون في وضع غير مريح.