وكأن إدارات المجمعات التجارية في لبنان لا تريد أن تتعلم ما تعنيه عبارة "تهديد إرهابي" إلا من بعد إستهدافها فعلاً لا قولاً، لا سمح الله. نعم، هي المجمعات التي أصبحت مقصداً لعشرات الآلاف من العائلات، تتعاطى إداراتها مع التهديدات الإرهابية التي تكشفها التحقيقات مع الخلايا الموقوفة بين الحين والآخر، على قاعدتي، "كأن شيئاً لم يكن" و"الدنيا بألف خير".
أكان في الأيام العادية أو في تلك التي يتوتر فيها المشهد الأمني بعد القاء القبض على خلايا تخطط لتنفيذ تفجيرات وعمليات إنتحارية، الإجراءات الأمنية هي هي على أبواب هذه المجمعات. بين مجمّع وآخر يختلف المشهد، لكن النتيجة واحدة: فلتان أمني ما بعده فلتان.
ففي البعض منها رجل الأمن المولج تفتيش السيارات عند مداخل المواقف السفلية غير موجود. أما في البعض الآخر، فقد يكون هناك موظف أو أكثر، وبحوزته آلة يمثّل على السائق بأنها تكشف أي متفجرة أو سلاح داخل السيارة، لكنها في الحقيقة ليست إلا قطعة بلاستيكية مزودة "antenne" لا يتحرك حتى لو كانت السيارة مفخخة ومحمّلة بالأسلحة أو حتى إذا كان من يقودها من فصيلة الإنتحاريين. وكي لا يفسّر كلامنا إتهاماً من دون أدلة اليكم هذه الحادثة البيروتية.
عن طريق الصدفة، ركن أحد سكان الأشرفية سيارته الى جانب مجمّع تجاري ضخم لإجراء مكالمة هاتفية. الإتصال لم يستغرق إلا دقائق قليلة، غير ان صاحبه لم يغادر السيارة والموقع إلا بعد ساعة أو أكثر. فما الذي حصل معه ودفعه الى البقاء طويلاً هناك؟
خلال إجرائه مكالمته الهاتفية في الشارع الخلفي الضيّق والبعيد عن المداخل الرئيسة للمجمع التجاري، رصد المواطن المذكور الذي فضّل عدم الكشف عن إسمه، رجلاً يحمل حقيبة سوداء اللون، ويدخل الى مطعم تابع للمجمع من دون ان يخضع لأي تفتيش آلي أو بشري. رجل الحقيبة السوداء سرعان ما أكمل طريقه من المطعم الى داخل المجمع عبر باب ثان للمطعم. في البداية انتظر ابن الأشرفية قليلاً في سيارته كي يفهم ما حصل وما إذا كان رجل الأمن المسؤول عن تفتيش زبائن المطعم إضطر الى ترك الباب في لحظة دخول حامل الحقيبة. غير أن دخول رجل آخر الى المطعم ومنه الى المجمع ومن دون تفتيش، دفعا به الى محاولة الدخول شخصياً، فكانت محاولته ناجحة، وكشفت له أن أمن المجمع التجاري المذكور فلتان ويمكن خرقه بسهولة من باب المطعم المذكور.
ولأن المجمّع المذكور سبق وهدد بعمليات تفجير من قبل التنظيمات الإرهابية، ولأن مداخله الأساسية مدججة برجال الأمن التابعين لشركات خاصة وبآلات تفتيش يقال إنها تكشف أي محاولة تهريب سلاح أو متفجرات الى داخله، ولأن أولاد المواطن المذكور يقضون أكثرية أيام فرصهم المدرسية في المجمّع لا سيما في فصل الشتاء، قرر الوالد الخائف على أبنائه التدخل شخصياً مع الإدارة. في البداية كان تدخله عبر الهاتف. اتصل بإدارة المجمع وشرح لإحدى السيدات التي تم تحويل اتصاله اليها ما شاهده بأم العين وكيف أن أمن المجمع المهدد فلتان وقد يخرق بأي لحظة من باب المطعم القائم في الشارع الخلفي للمجمع. ومع نهاية الإتصال أمل المتصل خيراً بعدما تلقى وعداً من المسؤولة في الإدارة بإحالة الشكوى الى مسؤول الأمن في الشركة، غير أن الوضع بقي على حاله عند باب المطعم والشكوى لم تصل الى المسؤول الأمني، وهذا ما تأكد منه صاحب الشكوى بعد ايام عندما زار المجمع ثانية وقابل المسؤول الأمني الذي نفى علمه بأي شكوى عن هذا الموضوع.
بعد سلسلة من المراجعات، عمدت ادارة المجمع الى تكليف أحد الموظفين بحماية ومراقبة مدخل المطعم الخلفي المؤدي الى المجمع، غير أن هذا التكليف سرعان ما سقط ليعود الفلتان الى طبيعته.
نعم، هي إدارات المجمعات التجارية التي تستهتر بأمن المواطنين، في بلد بات فيه الأمن موسمياً وبعيداً كل البعد عن التدابير الإستباقية.