يركز «حزب الله» على وضع مسيحيي لبنان في مواجهة الطائفة السنية، بمطالبته الدائمة لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. ويحمّل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله وسائر مسؤوليه، تيار المستقبل عرقلة انتخاب رئيس للبلاد بعدم تأييده عون للرئاسة، وأن عدم حسم الحريري للأمر بالاقتراع لعون في جلسة 28 سبتمبر (أيلول) الحالي يعتبر تجاوزا لدور ومشاعر المسيحيين.
وفي الوقت ذاته، ينأى «حزب الله» بذاته عن ممارسة هذا الدور مع حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي لا يزال مرشحا من قبل تيار المستقبل، ولا يدعمه الحزب للوصول إلى بعبدا، ولكنه يتضامن في قراراته مع «حزب الله» بمقاطعته جلسات انتخاب الرئيس، وأيضا للجلسة الحكومية الأخيرة أسوة بوزراء كتلة الوفاء للمقاومة الذين غابوا عنها يومها. ولا سيما أنه بإمكان الحزب، إذا ما أراد، التمني على فرنجية الانسحاب لصالح عون والطلب من بري انتخاب حليف الحزب، أي عون، فلن يردا طلب نصر الله استنادا للوقائع التالية التي شهدتها محطات عدة كان للحزب قراره الملزم لحلفائه.
أولاً - إقدام «حزب الله» على حرب تموز عام 2006 وإعلان نصر الله لاحقًا بأنه لم يكن يعلم مدى كلفتها على لبنان، ومع ذلك أعرب عن تحمله نتائجها واندفع حلفاؤه لتخوين كل من سجل انتقادات حيال كلفة هذه المحطة على البلاد.
ثانيًا - اجتياح «حزب الله» العاصمة بيروت في 7 (مايو) أيار عام 2008، حيث كان في الصف الأمامي تحالف مقاتلي حركة أمل، التي يرأسها برّي وحزبا البعث والقومي، وأحزاب صغيرة تدور في فلك الحزب. وعندها لم يعترض برّي، بل انخرط في هذا القتال الذي شهده لبنان ووصفه نصر الله «باليوم المجيد».
ثالثًا - تنفيذ التحالف الوزاري المكون من 8 آذار لقرار «حزب الله» بإسقاط «السين - سين» بعد ما اصطف في حديقة دارة عون في الرابية وزراء بري، فرنجية، القومي، البعث وكذلك وزراء عون، حيث جاهر حينها الوزير جبران باسيل بأنهم يسقطون حكومة الحريري قبيل دخوله البيت الأبيض للقاء باراك أوباما.
رابعًا - مجاهرة نصر الله بدفاعه عن بشار الأسد وقدرته على تحمل الخسائر البشرية لحزبه، ومن ثم حملاته على دول التعاون الخليجي، وبنوع خاص المملكة العربية السعودية، بانعكاساتها السلبية على لبنان دون أي تردد أو تقدير لنتيجة ما يقدم عليه.
إذن تشكل العوامل التي ذكرت سابقًا دلالة واضحة لعينة، حول قدرة «حزب الله» على اتخاذ قرارات وفرضها على الحلفاء بمن فيهم فريق 8 آذار مجتمعا، وهو يعمد وضع الطابة في ملعب الحريري وتصوير الأمر للمسيحيين بأنه كفريق شيعي يندفع لإيصال عون إلى بعبدا، ويؤيد خيارهم، فيما تعيق الطائفة السنية بشخص زعيمها سعد الحريري وصوله، وكل هذا في الوقت الذي يشارك تيار المستقبل في كل جلسات انتخاب الرئيس، وصولاً إلى إعلان رئيسه عن استعداده لتهنئة عون والتعاون معه عندها إذا ما خلصت العملية الانتخابية إثر مشاركة نواب تكتل التغيير والإصلاح و«حزب الله» الجلسة لاختيار عون رئيسًا للجمهورية. ومع ذلك، لا يسجل لعون أي ملاحظة على «ديمقراطية» «حزب الله» تجاه حلفائه في 8 آذار الذي يمدهم بكل أنواع الدعم.
ويكمن التباين في الحسابات بين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وبين «حزب الله» في موقفهما الموحد تجاه الحريري لانتخاب عون، هو أن «حزب الله» لا يلزم حلفاءه لانتخاب حليفه الاستراتيجي عون، على غرار ما يمكنه دائما؛ هادفًا من ذلك لإبقاء البلاد في حالة فراغ مدمّر للمؤسسات ولزعزعة تركيبة صيغته التعايشية بهدف تهيئة مناخ لمؤتمر تأسيسي بعد إسقاطه للطائف لتحصل الطائفة الشيعية على امتيازات وحضور أوسع في تركيبة النظام اللبناني وفق قاعدة المثالثة، بدلاً من المناصفة المعتمدة حاليا.
أمّا جعجع فيجد في مطالبته الحريري لانتخاب عون تطويقًا لـ«حزب الله» وإفشالا لمشروعه بتطويل أمد الفراغ لإسقاط الطائف ولإرساء المثالثة. وفي منطق جعجع أنه سيتم تطويق «حزب الله» الرافض لانتخاب أي رئيس للجمهورية في الوضع الراهن، إذا ما انتخب الحريري عون.
ويركز التيار الوطني الحرّ على أن تكون جلسة 28 سبتمبر المقبل هي الفاصلة بين مرحلتي الفراغ الذي تعيشه البلاد منذ سنتين ونصف السنة، وبين مرحلة جديدة ترتكز على حراك شعبي بهدف حسم الأمر بانتخاب المستقبل لعون، لكن اللجوء إلى هذه الخطوة لن تعدل بسهولة في قرارات الحريري حتى حينه؛ نظرا للبعد الخارجي للاستحقاق الرئاسي اللبناني وتقاطعه مع وصول عون إلى بعبدا في ظل تحالفه مع محور الممانعة، امتدادًا من الضاحية مرورًا بدمشق وصولاً إلى طهران.
وتكمن معوقات البعد الداخلي لهذا الاستحقاق بوجه اللبناني - المحلي، في عدم لجوء عون إلى مواقف تطمئن الطائفة السنية، بحيث يشعرها بأنه إلى جانب تحالفه مع «حزب الله» قادر أن يتقدم نحو موقع وطني جامع وضامن لكل الشرائح والطوائف في ظل ما تتعرض له على أرض الإقليم العربي من تعديات؛ لأن هذا الموقف الوطني غير المذهبي أو السياسي، ربما يسهل على الحريري انتخابه رئيسا للبلاد، إذا كان لا بد من اتخاذ هذه الخطوة لمصلحة وطنية؛ لأن محاولة «حزب الله» فرض عون على الحريري جعله مرشحا استفزازيا وترتب على المستقبل تداعيات أقسى مما أصاب التيار بعد ترشيح رئيسه لفرنجية، فوفق هذا المنطق من التحدي قد لا يمكن لرئيس المستقبل تحمل انتخاب عون، وإن كان يريد الالتفاف على استراتيجية الفراغ التي يريدها الحزب لحسابات عدة، ومحورها دائما نسف صيغة الطائف لصالح المثالثة، وإبقاء البلاد في حالة انحدار سياسي واقتصادي.