على وقع السباق إلى البيت الأبيض، بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، تقرع طبول معركتي مدينتي الموصل في العراق وحلب في سوريا، نتيجة أهميتهما في رسم المعادلة بالبلدين، في وقت تتراجع فيه حظوظ التوصل إلى إتفاق سلمي بين كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية.
من هذا المنطلق، ينبغي قراءة مسارعة واشنطن إلى إبرام الإتفاقات مع مختلف المكونات العراقية لإنجاز تحرير الموصل، التي من المفترض أن تنطلق العمليات العسكرية باتجاهها في الأيام الأولى من الشهر المقبل، حيث تريد الإدارة الحالية برئاسة باراك أوباما أن تقدمها هدية إلى كلينتون، التي تحتاج إلى رافعة سياسية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، في حين أقدمت موسكو على وضع كل ثقلها في معركة تحرير حلب من الجماعات المسلحة، بعد فشل إتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة، من خلال لقاءات وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري، فهي تدرك تأثير المدينة على مسار الأحداث السياسية والعسكرية، وتريد تحقيق إنجازات قبل إنطلاق العهد الجديد في البيت الأبيض.
في هذا السياق، بات من الواضح أن أوباما، قبل أسابيع من موعد الإنتخابات الرئاسية في بلاده، لم يعد قادراً على فعل المزيد بشأن الأزمة السورية، لا سيما بعد إنهيار التفاهم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث تحولت عبارات الحرص على التعاون والتنسيق بين الجانبين، إلى إتهامات بتعريض الأمن والسلام العالميين إلى الخطر، الأمر الذي يفتح الباب أمام جملة من التساؤلات حول مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط، خلال الأشهر الفاصلة عن تولي الرئيس الجديد منصبه، وهو ما ظهر بشكل جلي خلال جلسة مجلس الأمن الإستثنائية لبحث الأوضاع في حلب.
ما تقدم يقود إلى معادلة واضحة، سوريا ستكون على رأس جدول أعمال الرئيس الأميركي المقبل ليقرر ما يجب القيام به، مع الإعتراف بأن الأمور باتت أكثر تعقيداً، بعد أن نجحت الحكومة السورية في إستعادة زمام المبادرة على أكثر من جبهة، بدعم مباشر وقوي من كل من روسيا وإيران، في وقت تعاني واشنطن من حالة إرباك على مستوى حلفائها في المنطقة، خصوصاً بعد أن ذهبت إلى توقيع الإتفاق النووي مع طهران من دون التنسيق معهم، ما دفع السعودية إلى رفع الصوت عالياً، في حين أن تركيا وجدت نفسها مضطرة إلى الدخول العسكري على خط الأزمة السورية وإعادة فتح قنوات إتصالها مع موسكو وطهران، بعد أن لمست أن الولايات المتحدة قد تضحي بها، مقابل تعاونها مع الأكراد، الذين بدورهم باتوا يشعرون أن واشنطن قد تتخلى عنهم للحفاظ على مصالحها مع أنقرة.
وفي حين سيكون السباق إلى حلب والموصل، بين المحورين المتصارعين، هو سمة المرحلة الراهنة، هناك العديد من القضايا التي على سيد البيت الأبيض أخذ قرارات سريعة بشأنها، أبرزها أن هذه الدولة التي تقع في قلب الشرق الأوسط باتت مقراً للعديد من الجماعات الإرهابية، لا سيما "داعش" و"النصرة"، وبالتالي عليه أن يضع خطة لمواجهة هذا الخطر، الذي بات يهدد العالم من خلال العمليات التي تنفذ في العديد من البلدان، ولا يمكن إستثناء الولايات المتحدة منها، وهذه المهمة لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض، فعلى الرئيس المقبل أن يقرر كيف سيتعامل مع الخطوط الحمراء الروسية، فهل يستمر في حرب الإستنزاف أم يذهب إلى إبرام إتفاق جديد يعيد عجلة المسار السياسي إلى الدوران؟ وما هي التنازلات التي من الممكن أن يذهب إليها من دون أن يغامر بخسارة تأييد حلفائه الإقليميين الراغبين بالإستمرار بالمعركة حتى النهاية؟ والأهم من كل ذلك يتعلق بالصورة التي ستكون عليها المنطقة من جراء ذلك، بالإضافة إلى أفق التنافس مع الجانب الروسي، نظراً إلى أن روسيا ليست إلا ساحة من ساحات الصراع الأساسية، لكنها بالتأكيد ليست الوحيدة.
في المحصلة، لم ينجح أوباما في تسهيل المهمة أمام خلفه المنتظر، بل على العكس من ذلك سيجد الرئيس المقبل العديد من الملفات الشائكة أمامه، سوريا قد تكون أخطرها، لكن في الفترة الفاصلة ستكون أصوات المدافع هي الأعلى، حيث سيسعى كل لاعب إلى تحسين أوراق قوته.