مع إنتهاء المناظرة الرئاسية الأولى بين كل من المرشحين إلى الرئاسة الأميركية الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، بدأت التحليلات حول قدرتهما على التصدّي لمختلف الملفّات المطروحة أمامهما، لا سيّما في ظل الإهتمام المتزايد من قبل مختلف شعوب العالم بشخصية "سيّد" البيت الأبيض الجديد، في ظل الحروب والصراعات القائمة على أكثر من صعيد.
وفي حين لا تزال إستطلاعات الرأي تعطي أرقاماً متقاربة بين المرشحين، بالرغم من أن المناظرة الأخيرة أعطت تفوقاً لمرشحة الحزب الديمقراطي، إلا أنّ النتيجة لن تحسم قبل إغلاق صناديق الإقتراع، حيث سيكون التأثير الأكبر لفئة الناخبين التي تبقى مترددة حتى اللحظات الأخيرة، لكن على مستوى الشرق الأوسط باتت المواقف شبه محسومة.
على هذا الصعيد، تبرز رؤية المرشّحين من المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينيّة، حيث ترى كلينتون حلّ الدولتين أصبح ضرورة ملحّة، في حين أن ترامب يرفض فرض أي إتفاق من قبل الأمم المتحدة، وهذه المسألة قد تكون الأكثر أهميّة بالنظر إلى تأثير الناخب اليهودي القوي في السباق إلى البيت الأبيض.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي الإتّفاق النووي مع إيران والحرب على الإرهاب، حيث ترى كلينتون ضرورة إقناع طهران بالإلتزام في بنود الإتفاق، في وقت يتعهد ترامب بإلغائه لحظة وصوله إلى البيت الأبيض، أما بالنسبة إلى الحرب على الإرهاب فإن المرشحة الديمقراطية لن تكون بعيدة عن توجهات الإدارة الحالية، بينما ترامب يتحفّظ بالحديث عن خطّته، بالرغم من رغبته بإعطاء دور أكبر لبعض الدول العربية.
القضية الأبرز على مستوى العلاقات الدولية ستكون كيفيّة التعاطي مع الجانب الروسي، وهنا تظهر كلينتون ما يمكن تشبيهه بسياسة الرئيس السابق رونالد ريغان، أي أنها ستسعى إلى حرب إستنزاف في سوريا كما حصل في أفغانستان، مع العلم أنها تريد الإبقاء على الإتصالات مع موسكو، في وقت يفضل فيه ترامب ترك هذه الساحة، حيث يصف رئيسها فلادمير بوتين بـ"الصديق".
هل تفوقت كلينتون؟
في هذا السياق، يؤكد السفير اللبناني الأسبق في الولايات المتحدة رياض طبارة، في حديث لـ"النشرة"، أن المناظرة الأولى كانت منتظرة من مختلف دول العالم، نظراً إلى الأهمية التي يكتسبها الرئيس الأميركي بسبب الدور الذي تلعبه بلاده، لكنه يعتبر أن كلينتون أظهرت تفوّقها، حيث تبين أن لديها خططاً واضحة لما تريد القيام به، في حين أن ترامب كان "شعبوي"، ويلفت إلى لحظة حديث كلينتون عن "داعش"، حيث سارع المرشح الجمهوري إلى القول أنها تكشف عن خطتها مسبقاً، في إيحاء منه إلى أنّ لديه خطة سريّة.
من وجهة نظر السفير طبّارة، فان المرشحة الديمقراطية أظهرت أنها أفضل لرئاسة الولايات المتحدة، بسبب تجربتها وخبرتها السياسية الأكبر من رجل الأعمال المثير للجدل، ويضيف: "من الواضح أنها تريد أن تدخل في مواجهة مع الروس، في حين أن ترامب يعتبر صديق موسكو وقد يكون لديه مصالح إقتصادية فيها"، ويرى أن عهد كلينتون، في حال وصولها إلى البيت الأبيض، سيكون مختلفاً عن عهد أوباما، فهي تريد عودة الولايات المتحدة إلى العالم، وتعتبر أن واشنطن يجب أن تتدخل في أي مشكلة، نظراً إلى أن ذلك يساعد في إيجاد الحلول، في حين أن ترامب يظهر بمظهر "قبضاي الحي" الذي يريد أن يدفع الحلفاء "خوّات" مقابل تأمين الحماية لهم.
من جانبه، يوضح مؤسّس مركز الدراسات الأميركية في بيروت كامل وزنة، في حديث لـ"النشرة"، أن المناظرة تشكل نقطة أساسية في تعريف الناخب على المرشح، ويلفت إلى أنها معركة حامية ومفصلية بين مرشح غير عادي وغير متوقع، أي ترامب، وأول امرأة تصل إلى هذا المكان منذ كتابة الدستور الأميركي.
ويشير وزنة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن كلينتون تملك 31 سنة من الخبرة في التعاطي مع الشأن العام، ويعتبر أنها كانت مستعدة ومدرّبة على تقديم أجوبة في التجارة والشؤون الداخلية والتغيير الديمغرافي، بالإضافة الى رؤيتها عن العلاقة مع الخارج، في حين أن منافسها تفوق في أوّل 20 دقيقة، بالنقاش المتعلّق بالمواضيع الإقتصادية وعملية المحافظة على المصانع داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسم سياسة إقتصادية لأميركا، لا سيما أن هناك أكثر من 50 إلى 60 ألف مصنع أغلق أبوابه، بالإضافة إلى وصول العجز في الميزان التجاري إلى 800 مليار دولار.
بالإضافة إلى هذه المواضيع، يلفت وزنة إلى موضوع التعصب الذي تعيشه الولايات المتحدة، خصوصاً ظاهرة التمييز العنصري وعمليات القتل التي يتعرض لها السود، ويوضح أن كلينتون تدعو إلى التغيير في طريقة التعامل مع شريحة مهمة من الشعب، أصبحت تمثل مجموع الأقليات أي ما يقارب الثلث، ويضيف: "هؤلاء عاشوا بظلّ العبودية لفترات طويلة وحصلوا على حقوقهم في العام 1965"، أما ترامب فهو يدعو في خطاباته إلى إظهار العنصرية من جديد، حيث أن هناك مخاوف لدى البيض من التغيير الديمغرافي، ويذكر بأنه في العام 1965 كانوا يمثلون 12% واليوم 37% وفي العام 2042 سيكونون أقرب إلى الأكثرية.
في السياسة الخارجية
بالنسبة إلى السفير طبارة، كلينتون لن تقود الحروب لمجرد الحروب، لكنها ستعيد أميركا إلى العالم، وبالتالي ستقوم بمواجهات عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، فهي لن تصل إلى الحرب مع روسيا لكنّها على سبيل المثال ستذهب إلى حرب إستنزاف معها، مثل مساعدة "الجيش السوري الحر" للوصول إلى توازن يقود إلى إيجاد حل سياسي، في حين أن ترامب لا أحد يعرف ماذا من الممكن أن يفعل، مع أن المرجح هو أنه سيكمل إنسحاب واشنطن من العالم، لكن السؤال هو عما إذا كان هذا الإنسحاب سيقود إلى المزيد من الحروب أم لا، ويضيف: "إنسحاب أوباما أدّى إلى حروب".
بالسؤال عن الرئيس الأفضل بالنسبة إلى بلدان الشرق الأوسط، يشير السفير طبارة إلى أن الأيام برهنت أن إنسحاب أميركا من العالم له نتائج وخيمة، وبالتالي العالم يحتاج إلى قطب أو قطبين لمنع تدهور الأوضاع، ويعتبر أن كلينتون أفضل من حيث المبدأ، لكنه يشير إلى أن حساب الحقل قد يكون مختلفاً عن حساب البيدر، أي أن تصرفاتها في البيت الأبيض قد تكون مخالفة لكلامها اليوم كمرشحة، إلا أنه في المجمل يعتبر أن "من الأفضل وصول شخص نعرف ما قد يفعل على حساب شخص يقول أن لديه بعض الخطط السرية".
من وجهة نظر وزنة، فإنّ السياسة الخارجية لكلينتون في الشرق الأوسط ستكون استمرارا لسياسة أوباما، أيّ تدخل واضح غير مباشر عبر الحلفاء ودعم غير معهود في بيع الأسلحة إلى المنطقة، وبالتالي تكملة للواقع القائم، ويلفت إلى أن ترامب يطرح مشكلة ولادة "داعش" في عهد أوباما، أي عندما كانت منافسته وزيرة خارجية، بالإضافة إلى حديثه عن تكلفة الحروب التي خاضتها بلاده، حيث يعتبر أن هذه الأموال كانت لتؤدي إلى وضع إقتصادي أفضل فيما لو أنفقت في الداخل.
ويعتبر وزنة أن خطر "داعش" ليس على ما يبدو أمراً ملحّا لدى الإدارة الأميركية، لوجود فريقين يتقاتلان، أي التنظيم الإرهابي مقابل إيران و"حزب الله"، الأمر الذي يريح إسرائيل إلى حد بعيد، ويرى أنه في السياسة الأميركية ليس هناك ما هو أفضل، خصوصاً أن الشرق الأوسط متروك ليطمر نفسه بالنار والدم.
على صعيد متصل، يشير وزنة إلى أن أميركا لديها تحدٍّ كبير في العديد من الملفات، أبرزها كوريا الشمالية، الّذي يعتقد أنها ستملك في العام 2020 صواريخ تصل إلى الولايات المتحدة، كما أن الإنفاق على التسلح في الصين وصل إلى مستويات غير معهودة، 217 مليار دولار بعد أن كان 30 مليار دولار في العام 2006، من دون إهمال التوترات في بحر الصين وشرق آسيا، حيث التغيير الإقتصادي الذي يشغل العالم، ويضيف: "في السابق كانت الدول الغربية تتحكم بالإقتصاد العالمي، لكن الدول الناشئة ستكون حصتها منه في العام 2030 ما يقارب 50%، الأمر الذي يدفع فريقا في الولايات المتحدة إلى السعي لتغيير الإقتصاد في العالم، نظراً إلى أن العولمة أضرت بالإقتصاد الأميركي".
في المحصلة، هناك من الملفات المهمة التي تطغى على السباق الرئاسي الأميركي، منها المحلّي والخارجي، لكن الأكيد أن شخصية المرشح الجمهوري ستبقى هي الحدث الأبرز في الأيام المقبلة.