على الرغم من الضجيج الذي تعجّ به الساحة السياسية فإنه حتى الساعة لم تظهر أية معطيات جدّية في إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، وأن أي كلام عن إمكانية أن تشهد جلسة اليوم في مجلس النواب إنتخاب رئيس لا يخرج عن إطار التكهنات والتحليلات غير المبنيّة على وقائع وأسس واقعية، لا بل إن المناخات الداخلية والخارجية التي حالت على مدى سنتين ونصف السنة دون فتح أبواب قصر بعبدا أمام الرئيس الجديد للبلاد ما تزال على ما هي عليه وإن كانت تلوح من وقت إلى آخر بعض الملامح التي يُعتقد بأنها تحمل جديداً على هذا الصعيد إلا أنه سُرعان ما تتلاشى ويعود الملف الرئاسي إلى قعر الخلافات التي تعصف به من كل حدب وصوب محلياً وإقليمياً ودولياً.
وفي هذا السياق فإن مصادر وزارية تدعو إلى عدم الإفراط بالتفاؤل في إمكانية انتخاب رئيس في جلسة اليوم أو في وقت قريب، لأن الاتصالات والمشاورات الجارية بهذا الخصوص ما زالت بعيدة عن النضوج.
وفي رأي هذه المصادر أن عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان ليست مرتبطة كلياً بجلسة اليوم لانتخاب رئيس، إنما تتعلق بعدة أسباب شخصية كانت أم سياسية لأن الرئيس الحريري تيقّن بأن وجوده خارج البلاد ترك الملعب للهواة وأراد من خلال عودته إعادة الملعب إلى اللاعبين المصنّفين، وما جولته على القادة السياسيين أكانوا مرشحين أم غير مرشحين سوى تعبير عن موقف يقتصر بكلمتين «أنا هنا».
وتضيف المصادر: طبعاً الموضوع الرئاسي سيأخذ الحيّز الأكبر في الفترة الأولى نظراً للضغط الذي يمارسه للشغور الرئاسي المتمادي.
وينطلق الرئيس الحريري في مسعاه الرئاسي من خيارين: الأول، مواصلة دعم المرشح النائب سليمان فرنجية، وهو ما ثبت في العشاء غير السري الذي حصل في بنشعي، خلافاً لما كان يتوقعه البعض، فالحريري لم يُبلغ صديقه فرنجية بأنه يريد تغيير مرشحه وتأييد الجنرال عون، لا بل أبلغ فرنجية باستمرار ترشيحه حين قال له الأخير بأنه ماضٍ في الترشح، فأجابه وأنا ماضٍ في تأييدك. غير أن هذا التأييد الذي كان مطلقاً بات نسبياً، بمعنى أن الرئيس الحريري ينتقل هنا إلى الخيار الثاني وهو ماذا بعد، إذا لم يتمكن المرشح فرنجية من بلوغ الرئاسة. لكن هذا لا يعني أن الخيار الثاني لا يتضمّن حتماً خيار العماد ميشال عون، فلربما كان البديل عن فرنجية هو مرشّح آخر من خارج المرشحين الأربعة، حيث أن آخر المعلومات من مصادر مقرّبة من الرئيس الحريري تُشير إلى أنه ليس متحمساً لتأييد العماد ميشال عون رغم أن هناك اتصالات متواصلة منذ مُـدّة بين تياري «المستقبل» و«الوطني الحر» من خلال الوزير جبران باسيل، ونادر الحريري.
وفي مطلق الأحوال تقول المصادر إن كان هناك من إعادة نظر بدعم ترشيح فرنجية فالقرار لن يكون افرادياً من قبل الرئيس الحريري، إنما سيُصار إلى عقد اجتماع بين القوى التي تؤيد فرنجية ورشحته سابقاً وتحديداً الرئيس نبيه برّي، وتيار «المستقبل» وتيار «المردة».
وتكشف المصادر عن لقاء سيقعد في وقت قريب بين الرئيسين برّي والحريري والنائب فرنجية لتقييم الترشيح القائم واتخاذ القرار المناسب، علماً أن البديل عن فرنجية عند الرئيس برّي ليس بالتأكيد العماد عون بل أحد من ثلاثة أسماء هي: جان عبيد، رياض سلامة، وجورج خوري، اللهم الا إذا اتجهت الأمور في اتجاه تسوية ما في إطار السلة التي ينادي بها رئيس المجلس وتخلى عن خياراته باتجاه الرابية.
وبحسب المصادر فإن الرئيس الحريري أبلغ «التيار الوطني الحر» انه يعطل أي إمكانية لإعادة النظر بترشيح فرنجية إذا استمر في تصعيده، لأن التصعيد سيصعب عليه إقناع كتلته والدائرين في فلكه الذين هم في الأساس ضد تشريح العماد عون.
وأمام هذا المشهد الذي يتسم بعدم الوضوح فإن المصادر تؤكد بأن جلسة الانتخاب اليوم ستكون صورة طبق الأصل عن الجلسات السابقة حيث لا انتخاب رئيس ولا من يحزنون، وأنه في حال ضرب الرئيس برّي موعداً قريب للجلسة فإن ذلك يعني أن الأمور تسير في اتجاه التسوية وإلا سنكون أمام تمديد جديد في عمر الفراغ الرئاسي الذي يستوطن قصر بعبدا منذ سنتين وبضعة أشهر وهذا هو الأقرب إلى الواقع وهو ما أشار إليه السفير الروسي في لبنان الذي رأى أن فرصة انتخاب الرئيس في جلسة اليوم أو في وقت قريب ضئيلة.
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن ما يجري على الساحة اليوم هو مجرّد كسر المراوحة السياسية وأن الطبخة الرئاسية لم توضع بعد على النار الإيرانية والسعودية وهو ما يعني بأن الطريق إلى قصر بعبدا ما تزال وعرة.