التحقت الجلسة الـ46 لانتخاب رئيس للجمهورية بسابقاتها، ليعيَّن موعد جديد في 31 تشرين الأول، وإذا كان التأجيل الجديد متوقَّعاً، إلا أن اتصالات ولقاءات عديدة، بعضها سري وبعضها علني، وبعضها تمّ تكذيب حصوله، حصلت فعلاً، وبالمجمل فإن هذه الاتصالات حملت تفاؤلاً بإنجاز انتخاب الرئيس العتيد، لكن سرعان ما تراجع هذا التفاؤل وانحسر.
أما مصدر التفاؤل فهو أن اللقاء بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري؛ نادر الحريري، حصل فعلاً في باريس، بعد أن تمّ نفيه بشدة في السابق، بما يذكّرنا بالنفي الذي حصل قبل أكثر من عام بشأن لقاء الرئيس الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في العاصمة الفرنسية باريس، ليتبين يومها أن اللقاء حصل فعلاً، وأن الحريري أبلغ فرنجية تأييده لانتخابه رئيساً.
هذه المرة أيضاً تمّ في البداية نفي حصول لقاء باسيل – نادر الحريري، ليتأكد بعد أقل من عشرة أيام أن اللقاء حصل فعلاً، وأن الحريري أبلغ باسيل عن الاستعداد للسير بخيار رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن ما أن شاع الخبر اليقين حتى تحركت العيون والألسن والماكينات التي تتابع حركة الرئيس سعد الحريري، فكان هناك من اتصل بجيفري فيلتمان شاكياً له تصرفات رئيس "تيار المستقبل"، وكما تفيد المعلومات فإن فيلتمان بادر إلى الاتصال مع أصدقائه اللبنانيين ومع الإدارة الأميركية لوقف الاندفاعة الحريرية، وتفيد هذه المعلومات أن من اتصل بفيلتمان هو أحد القيادات البارزة والأساسية في "المستقبل"، وأنه قال للسيد الأميركي بالحرف الواحد: "رجاء أنهوا هذه المهزلة"، وفعلاً اتصل فيلتمان بمن يلزم ليؤجّل البحث في هذا الموضوع.
ووفقاً للمعلومات، فإن اتفاق باسيل - الحريري كان محطّ اهتمام مرجعية سارعت إلى الاتصال بالمملكة العربية السعودية لحثّها على وقف الاندفاعة الحريرية، في وقت كان أكثر من طرف حريري و"مستقبلي"، ومن بقي من "14 آذار"، يتحرك في أكثر من اتجاه لفرملة الخطوة الحريرية، أو لمعرفة اتجاه الرياح الرئاسية، ومن هنا كانت زيارة وزير الصحة وائل أبو فاعور موفداً من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط إلى الرياض، فوصلها مختاراً وعاد منها حائراً، على حدّ وصف المراقبين، حيث عاد بأجواء ضبابية زادت من حيرة المترقبين لموقف سعودي حاسم في الشأن الرئاسي اللبناني.
وبانتظار الجلسة الـ47 التي حددها رئيس مجلس النواب في 31 تشرين الأول لانتخاب الرئيس، ستبقى التحركات السياسية مفتوحة على شتى الاحتمالات، وفي هذا الصدد رأى مصدر نيابي أنه لو يتوجّه العماد ميشال عون إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري لمدة خمس دقائق، يخرج بعدها ليؤكد أن مجلس النواب هو شرعي ودستوري، فإنه حتماً سيُنتخب رئيساً للجمهورية.
بأي حال، فإن تقبُّل رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لعون رئيساً، ليس سوى بداية الطريق الصعب، لأن ترجمة هذا القرار والموقف يحتاجان إلى تمهيد واتصالات متعددة، وجهود مكلفة ومُهل إضافية، قد نرى طلائعها في بداية تحرُّك واسع للرئيس الحريري نحو الرئيس نبيه بري والرئيس أمين الجميل، والنائب وليد جنبلاط ورئيس "القوات" سمير جعجع، بعد أن كان قد بدأ هذه الخطوات بزيارة بنشعي، حيث عقد لقاء مطولاً مع رئيس المردة النائب سليمان فرنجية، كما أنه التقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، فور إعلان الرئيس بري تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة.
بهذا الصدد، بات سعد الحريري يبدو وكأنه مرشح لرئاسة حكومة العهد الجديد، وليس فقط كناخب لميشال عون، ما يعني أنه معني بالتفاوض مع الآخرين على ترتيبات سياسية تطمئنهم وتوعدهم أيضاً، تماماً كما أن الرجل هو شخصياً بحاجة إلى ضمانات لتسهيل عبوره نحو الكرسي الثالثة، التي يتطلع إليها أكثر من طامح جلّهم من فريقه، وبعضهم بدأ فعلاً "يحرتق" على رئيس "التيار الأزرق"، علّ وعسى يكون بديلاً.