خلافا لكسر الجمود في الحراك السياسي اللبناني تمهيدا لانتخاب رئيس للجمهورية، يراوح الملف الفلسطيني في لبنان مكانه ركودا وانقساما، بين الملفات الامنية والسياسية، وقد اضيف اليها ملف شائك من بوابة محاربة آفة المخدرات والتي بدأت في مخيم شاتيلا في بيروت، بعدما نجحت الجهود الفلسطينية اللبنانية المشتركة في منع أي ردة فعل بعد العملية الامنية النوعية التي نفذتها "قوات النخبة" في "مديرية مخابرات" الجيش اللبناني في "حي الطوارئ" واعتقال أمير تنظيم "داعش" عماد ياسين الذي ما زال يواصل اعترافاته.
وسط هذا الجمود، تقدمت الخلافات الفلسطينية على ما عداها من اهتمام وأطلت برأسها بين مختلف القوى السياسية، حتى داخل البيت الواحد، على خلفية تطورين: الاول مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ابو مازن" في جنازة الرئيس الاسرائيلي السابق شيمون بيريز، الذي لعب دوراً بارزاً في طرد الفلسطينيين من ارضهم، واذاقهم مر الويلات والمجازر، واعتبار تلك المشاركة طعنة لمسيرة الكفاح الطويلة للشعب الفلسطيني ولدماء ذويهم، والثاني موقفه من موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان حيث أكد انَّ منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح لا تعارض قيام الجيش اللبناني بجمع السلاح سواء داخل المخيمات أو خارجها، "لأننا نعيش في لبنان تحت حماية الحكومة اللبنانية وهي مسؤولة عن أمننا فيه".
وأوضحت مصادر فتحاوية لـ"النشرة"، موقف الرئيس عباس بمجموعة نقاط، اولها إن السلاح الفلسطيني في لبنان داخل المخيمات موجود بموافقة لبنانية، ولبنان وبسبب ظروف داخلية لم يطلب هذه الأسلحة حتى الآن، وثانيها هناك تفاهم فلسطيني لبناني حول هذا الموضوع، وهناك ضوابط متفق عليها وان هذا الامر يحتاج عند اللزوم إلى جلسة حوار فلسطينية-لبنانية لأن وجود المخيمات وأمنها قضية تعني الجانبين، ولأن أمن الجوار من أمن المخيمات، وثالثها، لم يأتِ كلام "أبو مازن" استفزازيا ولا غريباً عن واقع العلاقات بين الجانبين اللبناني والفلسطيني، فهناك تنسيق وتفاهم حول مختلف القضايا الأمنية والاجتماعية والعسكرية، وهناك تحدّيات كثيرة تهدد الشعبين اللبناني والفلسطيني، ورابعها لقد قدَّم الجانب اللبناني كافة الجهود المطلوبة والامكانيات التي تساعد القوى الفلسطينية على تعزيز الفصائل واللجان الأمنية لحفظ الأمن داخل المخيمات، وهذا يدل على الفهم المشترك للمخاطر التي تحدق بالوضع الداخلي في لبنان، وخامسها إنَّ ما يشير إليه "أبو مازن" في تصريحاته المتعلقة بموضوع السلاح هو أنَّ له دوراً أساسيًا وهو الدفاع عن الشعب الفلسطيني وأمنه، والمشاركة في التصدّي لأي عدوان إسرائيلي يستهدف لبنان ونرفض السلاح الذي يستخدمه البعض للتخريب داخل المخيمات، وإزعاج الأهالي أو إثارة الفتنة، وسادسها انه يمتلك بُعد النظر في العلاقات مع لبنان بكل مكوناته وقياداته ويحرص دائما على إطفاء نار الفتنة التي يريد البعض إشعالها على الساحة اللبنانية بين الشعبين الصديقين، مؤكداً باستمرار على العلاقة الودية مع كافة الأطراف والقوى والاحزاب والطوائف، لأنَّ القضية الفلسطينية تحتاج إلى الجميع وأنَّ السلاح الفلسطيني لن يُوجَّه إلى أي طرف لبناني وانما هو أمانة يخضع استخدامه لرؤية مشتركة.
خوف وخلافات
وحيال المشاركة بالموقف من السلاح، تخشى اوساط فلسطينية تحول الخلافات الى انقسامات في الساحة الفلسطينية في لبنان، تساهم في المزيد باضعافها، وهي التي جنبت نفسها الكثير من التداعيات على اعتبارها ساحة استثنائية تتطلب الوحدة والتوافق، كي تشكل مظلة حماية سياسية وأمنية للمخيمات في ظل ما يجري في المنطقة وخاصة في سوريا.
وتؤكد أوساط متابعة لـ"النشرة"، ان هذه الخلافات لن تصل الى انقسامات خطيرة، بل ستبقى "زوبعة في فنجان" سرعان ما ستذوب امام التحدي المشترك في مواجهة التهديدات اليومية التي تحدق بالمخيمات، وخاصة على ابواب مرحلة فاصلة في لبنان والانتقال الى تفعيل الحياة السياسية بملء منصب رئاسة الجمهورية والاتفاق على الانتخابات النيابيّة وما بينهما من قضايا عالقة، حيث يخشى من استخدام ورقة المخيمات لاعادة خلط الاوراق، ما يتطلب مجددا اعادة تفعيل القوة الامنية الفلسطينية المشتركة بعدما طالب قائدها اللواء منير المقدح بذلك، بانتظار عودة كل من اعضاء المجلس الثوري لحركة فتح وهم سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، امين سر الحركة في لبنان فتحي ابو العردات من رام الله والاتفاق على عقد لقاء للقيادة السياسية الموحدة لحسم الامر.
المؤتمر الفتحاوي
وسط كل ذلك، حسمت حركة "فتح" عقد مؤتمرها العام السابع في 29 تشرين الثاني المقبل، تزامنا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وذلك بعد اجتماع للمجلس الثوري برئاسة ابو مازن، ومشاركة كل من السفير دبور، ابو العردات، رئيسة الاتحاد الام للمرأة الفلسطينية آمنة جبريل وممثل المنظمة في سوريا الدكتور سمير الرفاعي، حيث لم يلح بالافق القريب اي مصالحة مع العميد محمد دحلان بل على العكس فصل المجلس الثوري اربعة اعضاء موالين له، في اشارة الى عدم التوصل الى اتفاق على تسوية لمصالحة بينهما تعيد المياه الى مجاريها كما السابق.
خلاصة القول، ان الواقع الفلسطيني في لبنان سيبقى مرهونا بالتطورات الفلسطينية الداخلية من جهة والسياسية اللبنانية من جهة اخرى، ويراوح في مكانه امام مهمة واحدة بالعمل على حماية المخيمات من أي خطر للانزلاق الى اقتتال داخلي او فتنة مع الجوار اللبناني ومنعها من ان تتحول الى ممر او مستقر للمجموعات الارهابية التي تنفذ أجندة غير فلسطينية ويكون ذلك "مهمة المهمات".