في خطوةٍ بدت مفاجئة بالشكل والمضمون، أعلنت الخارجية الأميركية تعليق مشاركتها بالمحادثات الثنائية مع روسيا حول الملف السوري، وذلك بعد اتهاماتٍ متبادلة بين الجانبين بالمسؤولية عن فشل اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا. وإذا كان كثيرون فسّروا الأمر بأنّه بمثابة نعي للاتفاق الثنائي وبالتالي للهدنة، فإنّ الخشية تبقى أن يؤدّي ذلك لاشتعال الميدان السوري من جديد، ومن خلال جولات قتال جديدة، خصوصاً في ظلّ احتدام السباق نحو البيت الأبيض.
يرى الباحث في الشؤون الإقليمية محمد سيف الدين أنّ فشل الإتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا سببه أن أميركا لم تعد قادرة على الإعتماد على جهة غير جبهة النصرة لها وزن أساسي على الأرض في الميدان السوري بمواجهة الجيش السوري. وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح سيف الدين أن "الولايات المتحدة وفي خلال مسار المفاوضات مع روسيا كان يمكن أن تعتمد على ورقة الأكراد ولكن بعد تدخّل تركيا لم تعد تستطيع فعل ذلك". بدوره، يشير الخبير في الشؤون الإقليمية جمال واكيم الى أن "ما أرادته أميركا من الهدنة هو إعطاء متنفّس للجماعات المسلحة في سوريا خصوصاً وأنها تدخل في مرحلة إنتقالية قبيل وصول رئيس جديد"، مشيراً الى أن "روسيا أرادت في المقابل أن تكون "الهدنة" هي خطوة أولى على طريق الحلّ السياسي في سوريا، ومن هنا تم توقيعها".
لا يمكن النظر الى تعليق العمل بالاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا بشكل عادي، فتعثر الإتفاق سيأخذ الميدان الى التصعيد الكبير، بحسب ما يتوقع المراقبون. وهنا يشير سيف الدين الى أن "روسيا باتت شبه مقتنعة أن معركة حلب ونتائجها سيؤديان الى الوصول الى حل سياسي في سوريا"، لافتاً في نفس الوقت الى أنه "في المدى المنظور وخصوصاً في ظل الانتخابات الرئاسية الأميركية فإنه سيتم الإحتكام الى الميدان"، مضيفاً: "هناك تراجع للمسلحين من الشمال السوري الى الأحياء الشرقية والجيش السوري مع الجيش الروسي دعوا المسلحين الى الخروج ولكن دون أن يتعاطوا مع الناس". وفي السياق نفسه يشدد واكيم على أن "النظام السوري وروسيا يسعيان للدفع بإتجاه حسم ميداني في منطقة حلب"، لافتاً أيضا الى أن "الميدان سيكون ساحة للإقتتال من الآن والى السنة القادمة إذ لا حلول سياسية قبل استلام الرئيس الأميركي الجديد لمهامه ويكون قد قام بحركة المناقلات بإدارته، وبالتالي فإن المفاوضات ستكون بالحديد والنار والدم بشمال وشرق سوريا".
توقفت الهدنة بين أميركا وروسيا على الارض السورية لتترك الحرب الاقليمية تأخذ مداها فتشتعل الجبهات مرّة أخرى بإنتظار الإنتهاء من الإستحقاقات الدولية والعودة الى طاولة المفاوضات من جديد بإنتظار وصول الحل السياسي الذي يبدو وحتى الساعة بعيد الأمد!