تتسارع التطورات المحيطة بالحرب الاستعمارية على سورية ويكاد مستقبل العالم يختصر في المعارك التي تجري داخل احياء حلب الشرقية حيث تتحصن جماعات مسلحة تنتمي غالبيتها للقاعدة ومثيلاتها بينما يشن الغرب حملة إعلامية واسعة للتباكي على الوضع الإنساني الذي مثل ذريعة دائمة في غزوات وحروب خلفات ملايين الضحايا في غير مكان من العالم بقيادة الولايات المتحدة وحيث شكلت منظمات إغاثة ممولة من وكالة التنمية الأميركية واجهة استطلاع متقدمة لفرق الغزو العسكري والحكاية تطول من فيتنام وما بعدها ويدور السؤال اليوم عما يمكن ان تعتمده الإدارة الأميركية من خيارات بعد تعليق الاتصالات بين موسكو وواشنطن.
اولا الرضوخ الأميركي لجبرية الحوار والتعاون مع روسيا بشأن الوضع السوري فرضه مبكرا الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي منع إجازة غزو عسكري لدولة مستقلة على غرار ما جرى في العراق وليبيا وقد تعززت الحاجة الأميركية لهذا الحوار والتعاون بعد صمود الدولة السورية ودخول الإدارة الأميركية نفق العجز عن تعديل توازن القوى وهو بات أشد إلحاحا إثر الانخراط العسكري الروسي الداعم للدولة السورية في مكافحة الإرهاب الذي ظهر سافرا على الأرض وتساقطت أقنعة الثورة المزعومة التي صنعها الإعلام الغربي الخليجي ومما لاشك فيه ان مسيرة التفاوض بين الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف حول اتفاق جنيف الذي انقلبت عليه واشنطن تحت ضغط صقور الإدارة كانت محكومة بإيقاع الميدان السوري الذي سعت واشنطن لتعديل توازناته تحت غطاء جميع الاتفاقات السابقة منذ عام 2012 بحركات هجومية تمثلت بدفع المزيد من الإرهابيين متعددي الجنسيات وكميات ضخمة من السلاح والأموال بينما تكفلت غرف عمليات بقيادة اميركية من تركيا والأردن وداخل الأراضي السورية بإدارة المعارك .
ثانيا الإدارة الروسية الذكية والمتانية للصراع فرضت على الإدارة الاميركية الرضوخ لتصنيف الجماعات الإرهابية التي شكلت عماد حربها على سورية وهو ما استدرجها إلى قبول المنطق الروسي بضرورة القضاء عليها بجهد مشترك وهنا وقعت واشنطن في الفخ الثاني وهو التعهد بالفك بين مسلحيها المعتدلين المزعومين ومحاربي القاعدة وداعش وهو ما قابلته روسيا بالصبر السياسي وبتجميع المعلومات واللوائح وعرضها على المفاوضين الأميركيين للتوقيع عليها طيلة أشهر رغم الانقلاب الأميركي المفضوح على هدنة شباط مطلع العام الحالي وصولا إلى توقيع اتفاق جنيف الأخير الذي كان تنفيذه سيعني تحولا كبيرا يؤسس لنهاية فصول مهمة من الحرب على سورية وفتح الباب امام مسيرة جدية من الحوار السوري الداخلي لإطلاق العملية السياسية وفقا لتفاهمات فيينا التي سلمت بها الولايات المتحدة اعترافا بفشل حملتها للنيل من الرئيس بشار الأسد ومن الدولة السورية وقد وقع الانقلاب الأميركي الجديد بعدما برهنت احداث أسبوع الهدنة الاختبارية على التزام الجيش العربي السوري وحلفائه بوقف النار ووقوع ثلاثمئة خرق ارتبكتها القاعدة واعوانها من الجماعات المسلحة في مختلف جبهات القتال وافتضاح كذبة المعتدلين .
تنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي كان يعني مشاركة اميركية في التخلص من جيوش الإرهاب التي سلحتها ودربتها ومولتها وكالات الحرب الأميركية وعملاؤها الدوليون والإقليميون بينما يخطط حزب الحرب الأميركي في البنتاغون والمخابرات المركزية لعملية استنزاف طويلة في سورية ولإعادة توجيه واستخدام العصابات الإرهابية في ساحات جديدة اهمها روسيا والصين وإيران.
ثالثا الخيارات الأميركية المتداولة تحت شعار الخطة ب أبرزها إرسال المزيد من الوحدات الخاصة وتصعيد تسليح عصابات الإرهاب وباحتمال شن غارات على مواقع الجيش السوري وهي كما وصفتها صحيفة لوس انجلس تايمز قبل أسبوع "بالمزيد من الشيء نفسه" لكونها خيارات سبق ان جربت في سورية وجميعها تطرح احتمال الصدام الواسع مع القوات الروسية وحليفها الجيش العربي السوري وشركائه على الأرض وهذا هو الخطر الذي سبق أن فرض تراجع الإدارة الأميركية عن خطة ضرب سورية في أيلول 2013 ولا مجالل للمقارنة بين المعادلات الراهنة في مواجهة محتملة من هذا النوع وما كانت عليه الأمور قبل ثلاث سنوات خصوصا مع المزيد من شحنات السلاح الروسي المتطور للجيش العربي السوري ومع توسيع نطاق تواجد وانتشار القوات الروسية وبالتالي يبدو في الحساب العقلاني ان أي احتكاك أميركي بالجيش السوري او بالقوات الروسية سيكون نذيرا بحرب كبرى يشدد العديد من المسؤولين الأميركيين على تلافيها ولهذه الغاية أبقت الإدارة على خط الاتصال مع روسيا لمنع الاحتكاك بين سلاحي الجو الأميركي والروسي ولاشك ستكون واشنطن مضطرة لأن تضع في حسابها قدرات الردع التي تمتلكها سورية وحلفاؤها وما يمكن ان تتخذه موسكو من تدابير مباشرة او عبر تعزيز قدرات الدفاع السورية وهو ما ظهرت مؤشراته خلال اليومين الأخيرين .