المأزق السعودي يكبر ويتوسّع، وتغرق السعودية بالهزائم المادية والمعنوية؛ في سابقة لم تشهدها الرياض منذ الدولة السعودية الثالثة على عهد عبد العزيز آل سعود، والتي تهدَّد وجودها ككيان موحَّد أو تحت سلطة العائلة المالكة، حيث تتجه الأمور إلى بدء مرحلة زوال العائلات المالكة في الخليج، وبعضها لم يصل عمره الكياني المستقل صوَرياً إلى مئة عام.
الضربات على الرأس السعودي تتوالى من الحلفاء والأصدقاء والخصوم، بل إن أكثر الضربات كانت من الحلفاء والأسياد، في الوقت الذي تصرخ السعودية ألماً في جبال اليمن وفي نجران جيزان.
كانت السعودية تنتظر الفرَج من الانتخابات الأميركية وتتكل على هيلاري كلينتون المتعبة، وبدل التوكّل على الله سبحانه وتعالى استغاثوا بكلينتون حتى تنصرهم في سورية واليمن والعراق، مع أنهم يكفّرون من يستغيث بالنبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبل أن تفوز كلينتون بالانتخابات الأميركية عن الحزب الديمقراطي، فقد تمّ ذبح السعودية على الطريقة الأميركية بالتضامن بين الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، عبر إقرار قانون "جاستا"، ورفض الفيتو الرئاسي للرئيس الأميركي باراك أوباما.. لقد فعلها الأميركيون وبدأوا بهجر "العائلة العجوز" التي انتهت صلاحيتها ولم تعد تلبّي الحاجات الأميركية بعد بلوغها سن الشيخوخة، واتخذوا قراراً بأنه لا بد من التخلُّص من العائلة المالكة قبل فوات الأوان وخسارة المملكة بالكامل.
السعوديون في ذهول وارتباك وانفعال: "لقد طلّقنا السيد الأميركي ويفتّش عن عشيقة جديدة".. لقد ضاع العمر السعودي هباءً، فلم تنفع التنازلات السعودية للعدو "الإسرائيلي"، ولا مبادرة الملك عبد الله للسلام، ولا حصار إيران، ولا إسقاط الرئيس بشار الأسد، ولا مقاتلة السوفيات في أفغانستان، ولا أسعار النفط وأمواله المنهوبة أميركياً، ولا تصنيع التكفيريين، ولا تشويه الإسلام وتفتيت المسلمين..
يصرخ السعوديون في صحرائهم الخاوية: ماذا تريد أميركا بعد؟ أعطيناها كل ما نملك وما لا نملك!
بلد الإسلام وخادم الحرمين الشريفين يتحوّل من التقويم الهجري إلى التقويم الميلادي، لتوفير بضعة مليارات من الرواتب، وفق تبريرهم الساذج، ومليارات النفط بأيدي الأمراء في السياحة والملذات..
تعلن العائلة المالكة قدرتها على بيع المبادئ والعقائد وأكلها لحفظ البقاء، كما كان الجاهليون يأكلون آلهتهم عند الجوع..
الأميركيون يقاضون السعودية ويجرّون أمراءها إلى المحاكم ويجمّدون أموالها ويحرموها من احتياطها المالي؛ في عملية قرصنة فاضحة واعتداء صارخ باسم القانون الأميركي، والسعودية تحت رحمة السيد الأميركي كالعبد الضعيف، ومع ذلك ما زالت تقصف أطفال اليمن وتتحالف مع قاتل أطفال فلسطين، ولا تريد أن تستيقظ من جريمتها وخطيئتها، بل تنفّذ ما يقوله الأميركي الذي يغتصبها كل يوم وهي تشكره على حسن تعامله!
هل يكون الملك سلمان آخر ملوك السعودية؟ وهل يتمّ تغيير نظام الحكم من ملكي مطلَق إلى ملكية دستورية، لتحفظ أميركا مصالحها وتستنزف ما تبقّى من ثروات السعودية، أم يتمّ تقسيم السعودية ضمن المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد؟
التحية لأبطال اليمن، والرحمة للشهداء الأطفال الذين أغرقوا السعودية ببحر دمائهم المسفوكة وهزموا السعودية وغيّروا تقويمها الهجري إلى ميلادي، ففضحوها وجعلوا أمراءها يفتشون عن مكان آمن، وفرضوا على حكومتها أن تتقشف وتتكشّف لتظهر عورتها أمام العالم وأمام شعبها والعمال المساكين الذين عادوا إلى بلادهم دون رواتب، بعدما بقوا أشهُراً بلا طعام أو مأوى أو كفيل، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بوجوب إعطاء العامل أجره قبل أن يجفّ عرقه، ومع ذلك التزمت السعودية "السُّنة الوهابية" ولم تلتزم السُّنة النبوية.
"جاستا" والانتخابات الأميركية ومؤتمر غروزني وتخفيض أسعار النفط واليمن وسورية والعراق.. يلفّون حبل المشنقة على رقبة العائلة المالكة.. فهل تتحرر السعودية وشعبها من الظلم الذي بدأ منذ حوالي مئتي عام مع ولادة "المذهب الوهابي" وتحالفه مع آل سعود؟
عدالة السماء لا تهمل أحداً من الظالمين، فهي تُمهل ولا تُهمل والبشرى للمظلومين بزوال الظلم.. إن الصبح لقريب.