"من الأسهل الخروج من أزمة لبنان بعد التسوية في سوريا"، هذه الجملة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كانت كافية لفهم حقيقة المسار الدولي لأزمة الرئاسة اللبنانية، بعيداً عن الحركة المحليّة التي قادها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، قبل جولته الخارجية، وذلك بعد أن فتح الأبواب أمام كافة الإحتمالات: التمسك بترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، الإعلان عن تبني ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، الذهاب إلى مرشح ثالث من خارج دائرة الأقطاب الأربعة.
وبانتظار اتضاح حصيلة مشاوراته الخارجية، من المفترض التوقف عند كلام عضو مكتب تياره السياسي النائب مصطفى علوش، الذي تحدث عن أن 80% من نواب "المستقبل" لا يفضلون تبني ترشيح "الجنرال"، بالتزامن مع العراقيل التي بدأت تظهر على المستوى المحلي، لا سيما بالنسبة إلى سلة التفاهمات التي يطالب بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويرفضها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، خصوصاً بعد أن نجح الأخير بحشد تكتّل مسيحي حوله، يضم إلى جانب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
في ظل هذا الواقع، تطرح بعض الأوساط السياسية، عبر النشرة"، الكثير من علامات الإستفهام حول موقف المملكة العربية السعودية الحقيقي من تحرك الحريري الأخير، حيث يؤكد البعض أنها تركت الخيار في الملف الرئاسي إلى اللبنانيين، في حين يذهب البعض الآخر إلى الحديث عن غياب أي مؤشر لتبدل موقفها من "الجنرال"، ما يعني أن "الفيتو" نفسه الذي كانت تتحدث عنه مصادر "التيار الوطني الحر" لا يزال قائماً حتى الساعة، ما يرجح عدم إمكانية إقدام رئيس الحكومة السابق على أي خطوة من هذا النوع من دون موافقة الرياض، وهو ما يُفسر ربما عدم إقدامه على أي إعلان رسمي لتبني ترشيح العماد عون.
بالتزامن، تبدو الولايات المتحدة، أحد أبرز اللاعبين على الساحة اللبنانية، بعيدة عن جولة الإتصالات والمشاورات القائمة، بسبب إنشغالها بالإنتخابات الرئاسية الداخلية، بالإضافة إلى إنهيار التفاهم السوري مع روسيا، من دون إهمال إنشغالها بالساحة العراقية، حيث السعي إلى إطلاق معركة الموصل الإستراتيجية قبل إنتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما، ما يعني أنها غير متحمسة أو ليس لديها الوقت الكافي لوضع ثقلها في الساحة اللبنانية من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي، لكن هذا لا يمنع وجود سعي أوروبي لإنتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن.
من هذا المنطلق، تبدو الأطراف الدولية، بحسب ما تؤكد الأوساط نفسها، غير مستعجلة على إنجاز الملف اللبناني، في الوقت الراهن، وهو ما ظهر جلياً من خلال موقف رئيس الدبلوماسية الروسية، أثناء لقائه الحريري في موسكو، أي صاحب المبادرة، في حين أن التوتر السعودي-الإيراني على كافة الجبهات لا يساعد على القول بأن هناك بوادر إيجابية جديدة قبل نهاية العام الجاري، بالرغم من كلام مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني في الشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان عن حصول "الشيخ" على مباركة الرياض، فما الذي يدفع المملكة إلى تقديم مثل هذا التنازل لصالح مرشح رئاسي حليف لـ"حزب الله" وتفضله طهران، خصوصاً أنها لا تبدي أي إهتمام بوضع الحريري السياسي أو المالي؟
أمام هذه المعطيات المعقدة على المستويين الدولي والإقليمي، تسأل هذه الأوساط: هل يمكن الحديث من جديد عن "لبننة" الإستحقاقات المحلية، على قاعدة أن لبنان ساحة منعزلة عما يجري حولها من مستجدات، في وقت لم يعد من الممكن فيه القول أن الملف اللبناني ثانوي، في ظل الثروة النفطية والغازية الجديدة، بالإضافة إلى أزمة النازحين التي تقلق الغرب، غير الراغب في تحريكهم من مكانهم، ما يعني السعي إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى اليوم، في ظل تراجع فرص التوصل إلى تفاهمات سياسية حول سوريا؟
في المحصلة، قد يكون هناك رغبة محلية في إنهاء الشغور الرئاسي، "أبطالها" الثنائي عون – الحريري، حيث تلتقي مصالح الرجلين بالعودة إلى السلطة، لكنها لا تملك حتى الساعة الأجواء المساعدة لنجاحها، سواء كان ذلك على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، فالجميع يعترف بأن كلمة السر عندما تصل من الخارج لن يستطيع أحد الوقوف بوجهها.