قالت بكركي ما قالته عن سلّة الشروط المسبقة التي يصر عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، على رغم علمها المسبق بأن عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الشهيرة عن الكرامات الأحد الفائت، أثارت بلبلة سياسية وحملة ردود عليها قبيل إجتماع مجلس المطارنة الموارنة. غير أن ما قاله الراعي وإعتبره البعض إستفزازياً، ليس بالأمر الوحيد الذي يريد رجال الصرح قوله وقد يثير إمتعاض أكثر من فريق سياسي، لكن المعركة اليوم رئاسية بإمتياز ولأنها الأهم بالنسبة الى الراعي والمطارنة، يجب أن تُسّخر لها كل العظات والنداءات والمقابلات، لإنتخاب رئيس متحرّر من القيود التي يريد البعض أن يحمّلها للعهد قبل بدايته. هذا ما تؤكده مصادر كنسيّة رفيعة المستوى، متحدثةً عن روزنامة مطالب مسيحيّة ستكشف عنها بكركي تباعاً بعد إنجاز الإستحقاق الرئاسي. وعند السؤال لماذا إنتظار إنتخاب الرئيس، يجيب مطران بارز، "كي لا يتخذ الآخرون هذه المطالب ذريعة لتعطيل الإستحقاق الأبرز، وكي لا نمدّد للفراغ في بلد لم يعد يحتمل، والأهم كي لا يشعر الشريك الآخر في الوطن بنقزة من العودة المسيحية الى السلطة، خصوصاً إذا ذهبت الأمور في إتجاه تبني رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري لترشيح رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة، الأمر الذي سيعطي المسيحيين دفعاً قوياً لما يمثله الجنرال شعبياً، ولما يحظى به من دعم سياسي قواتي باركته بكركي منذ اليوم الذي تمت فيه المصالحة في معراب لما يحمل في مشهديته من عناصر قوة مسيحية وطي لصفحات الماضي".
إذا. بعد إنتخاب الرئيس، ستبدأ بكركي بكشف بنود روزنامة مطالبها، وبحسب المعلومات، فالبنود كثيرة لكن ما يتصدر لائحتها، قانون الإنتخاب، كيف لا، والمطلعون داخل الصرح يعرفون جيداً أن مشكلة المسيحيين في لبنان تكمن في توزيع الدوائر أكان في قانون "الدوحة الانتخابي" (أي الستين معدلاً)، أو في القوانين التي إعتمدت قبله. توزيع لا يسمح للمسيحيين بإختيار ممثليهم في مجلس النواب، حتى لو إجتمع التيار "الوطني الحر" و"القوات اللبنانيّة" وحزب "الكتائب" وتيار "المرده" في لائحة واحدة.
في حسابات بكركي، البحث يجب أن يتركز في المرحلة المقبلة على إقناع الأفرقاء الآخرين بقانون إنتخابي أقرب ما يمكن الى العدالة وتأمين المناصفة هذا إذا لم يكن مقبولاً القانون "الأعدل" أي الذي يعطي المسيحيين حق إختيار كامل ممثليهم في الندوة البرلمانية. وفي الحسابات الكنسيّة أيضاً، إتكال على أن المفاوضات المتعلقة بقانون الإنتخاب مع الأفرقاء الآخرين في ظل وجود رئيس قوي للجمهورية ومدعوم من غالبية المسيحيين، ستكون مختلفة تماماً عن المفاوضات التي دارت سابقاً أي في السنتين المنصرمتين في ظل الفراغ الرئاسي وعدم التوازن، وفي ظل هوّات مسيحيّة كبرى بسبب الخلافات داخل البيت الواحد. هوّات رُدم البعض منها بفعل مصالحة معراب، وقد يساعد إنتخاب الرئيس على ردم ما تبقى.
أضف الى قانون الإنتخاب، لا يغيب عن روزنامة مطالب بكركي وضع المسيحيين في الوظائف العامة، وفي هذا السياق، لوائح التهميش والحقوق المهدورة أنجزت ولا يبقى سوى وضعها بين أيدي الرئيس الجديد والفريق السياسي الداعم له، فريق لن تكون البطريركية المارونية بعيدة عنه أبداً.
إذاً موعد الجزء الثاني من صرخات بكركي مرهون بإنتخاب الرئيس، وعنوان المرحلة المقبلة، حقوق المسيحيين في مجلس النواب، عنوان بمجرد فتح معركته، ستفتح في المقابل أكثر من معركة، كونه إستقزازياً بالنسبة الى الكثيرين أكثر من رئاسة الجمهورية.