ما يتسرّب من اقتراحات تقدّمها الثنائية الشيعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية في يوم أو سنين مقبلة هو حق الفيتو، أو ما يسمى الثلث المعطل، ومطالب أخرى مهما تعددت وتنوعت كبرت أو صغرت كلّها تصب في "مفخرة" واحدة: نحن خائفون ونريد ضمانة في السلطة التنفيذية تمنعكم من اجتياحنا أو طعننا في الظهر.
كلّ هذا السلاح وهذا الاجتياح الإقليمي يجعل حزب الله في موقع الضعيف الذي يريد ضمانة، رغم أنّ البلد بقضه وقضيضه في قبضته. لكن رغم كلّ مشروعه وكل ما قام به وكلّ تغنيه بالبطولات وتهيب العالم العربي والغربي منه بحسب الشيخ نعيم قاسم، فهو يجد نفسه اليوم عاجزاً عن أن يعيش مطمئناً إلى الشعب اللبناني إلاّ إذا كان السلاح مصوباً إلى رأس كل لبناني. بل أكثر من ذلك... كل هذا التغني والاعتداد بمشروع المقاومة وانجازاته وبطولاته، لا يجد في الكيان اللبناني ضمانة له إلاّ العصبية الشيعية في المجتمع والثلث الشيعي المعطل في السلطة التنفيذية.
خلاصة ثلاثة عقود وأكثر من صعود ثنائية حزب الله – أمل، خلصت إلى مأساة تُشير إلى نهايات أكثر ممّا تؤسس لمراحل صعود سياسي وحضاري. خُلاصة هذا المشروع وصل إلى اقصى ما يمكن أن يطمح إليه مشروع طائفي، وإلى اسفل درك يُمكن أن تصل إليه حركة نهوض اسلامي كما عرّف حزب الله عن نفسه في إعلان التأسيس عام 1985، أو كما قدّمت حركة أمل نفسها باعتبارها حركة المحرومين في لبنان، حتى صار الإقطاع السياسي في لبنان طبقة محرومين، إذا ما قيست ثرواتهم بثروات قادة هذه الحركة وزعمائها.
هذه الثنائية في قمّتها من حيث السيطرة والنفوذ في لبنان، السيطرة بمعنى أنّ رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي وأخاه سماحة السيد حسن نصرالله، يستطيعان أن يقررا أذا أرادا ذلك وتحت مظلّة ولاية الفقيه طبعاً، أن يسميا رئيس الجمهورية. فيمكن لهما أن يأتيا بمن اتفقا عليه، أي سليمان فرنجية أو العماد ميشال عون. وليس خفياً أنّ هذين المرشحين اكتسبا قوتهما من رضى الثنائية عليهما، ومن دعمهما لها في كل معاركها اللبنانية ولا سيما المسيحية.
الشيعية السياسية قادرة على حسم من هو الرئيس قبل أن يحسم الرئيس الحريري موقفه من بين أحد مُرشحيها العتيدين، وبعد أن حسم موقفه. في الحالين هما من يقرران ولا شكّ لدى كاتب هذه السطور أنّهما يستطيعان أن يسميا رئيس الحكومة الذي يريدان. وهما فعلا ذلك أصلاً منذ تسمية الرئيس نجيب ميقاتي وصولاً إلى الرئيس تمام سلام، وقِس على ذلك في مختلف مفاصل السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في
لبنان. بمعنى أنّ لبنان يشبه بلدية من بلديات الجنوب أو الضاحية، تُراعي بعض التوازنات العائلية فيؤتى بالشكل بممثل العائلة هذه أو تلك لكن في الخلاصة القرارات البلدية في يد الثنائية.
ما فاجأ حزب الله وحركة أمل أنّ أحداً لا يتجرأ ولو في الشكل على معاندتهما فيما يعتبرانه شأناً استراتيجياً وطنياً، وأنّ القوى اللبنانية التي بدت عنيدة في مرحلة ما لانت وقدمت الولاء والطاعة إن لم يكن لطرفي الثنائية فلواحد منها على الأقل، ولو كانت النفوس تتحدث بلغة مغايرة. لكنّ المفارقة أنّ هذا الانتصار الطائفي يبدو هشّاً وقابلاً للانهيار. لا أقول ذلك انطلاقا من عدم شعبية الطرفين أو من عجزهما عن استقطاب الناس والمحازبين المتخمين والجوعى، بل إنّ هذه القوة لا تنطوي على أيّ ملمح يُمكن أن يبشر بقيام الدولة ولو على صعيد الفكرة أو الأمثولة.
فالرئيس نبيه بري، أطال الله بعمره، أنجز تجربته ويمكن أن ينظر الآخرون فيقولوا مثلاً: قدّم نموذجاً لرجل الدولة وقدّم أمثولات على هذا الصعيد يمكن أن تُحتذى في استكمال مشروع بناء الدولة.. ويمكن أن يقولوا العكس. لكن تجربة الرئيس بري مع الدولة عمرها أكثر من 32 عاماً وهذه الأعوام كفيلة بإعطاء النتيجة. أمّا سماحة الأمين العام السيد نصرالله "حفظه الله" فللناس أن تقرر إن كان يرى لبنان باعتباره مشروع دولة أو يستحق أن يكون دولة ذات سيادة بالمعنى الطبيعي، أو على الأقل ينتظر الناس أن يقول لهم ماذا يحلم لهذه الدولة؟
لا نريد أن نوغل في تظهير السياسات التي وصلت بالثنائية الشيعية إلى العجز عن تقديم إجابة على أسئلة الحاضر غير مقولة "حصتنا في هذه السلطة". في لبنان انتصر مشروع الثنائية الطائفي، وبقية الطوائف برموزها ليست أفضل حالاً لكن لأنّها منقادة فهي ليست مطالبة كما يطالب المنتصر. لبنان اليوم أمام إعادة محاصصة جديدة بوصاية شيعية، ولا نقول إيرانية، باعتبار أنّ إيران لا تتدخل في شؤون لبنان. هذا ما تستطيع ما تسمى "المقاومة" أن تقدمه إلى الشعب اللبناني. وهذا ما خلصت إليه حركة المحرومين... فتأمّل.