في الأيام الأخيرة، برزت على الساحة السورية الفتنة "الجهادية" بين كل من تنظيم "جند الأقصى" وحركة "أحرار الشام"، الأمر الذي دفع بالعديد من فصائل "الجيش السوري الحر" إلى إعلان تضامنها مع الحركة في هذه المعركة، في حين فضلت جبهة "فتح الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، البقاء على "الحياد"، والعمل على معالجة الأزمة بين التنظيمين مهما كان الثمن، لعدة أسباب أبرزها خوفها من أن تكون هي "الضحية" المقبلة بعد الإنتهاء من "الجند"، نظراً إلى أنهما يتصدران، إلى جانب تنظيم "داعش"، لائحة المنظمات الإرهابية.
من هذا المنطلق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الجبهة طرحت في أكثر من مبادرة لوقف القتال والذهاب إلى محكمة "شرعية"، لكن "أحرار الشام" كانت ترفض ذلك لا سيما بعد إغتيال أحد أبرز قياداتها من جانب "الجند"، ما دفعها إلى التأكيد بأنها مستمرة في القتال حتى القضاء على هذا التنظيم، بالتعاون مع الفصائل المسلحة التي أعلنت وقوفها إلى جانبها، لكن المفاجأة كانت في إقناع "فتح الشام" قيادة "الجند" في إعلان بيعة التنظيم لها، وبالتالي العودة إلى كنف الجبهة من جديد بعد أن غادره على أثر الخلاف الشهير بين "النصرة" و"داعش"، الأمر الذي من المفترض أن يضعه في حمايتها.
وعلى الرغم من أن الكثيرين كانوا يتوقعون إنتهاء المعارك عند هذا الحد، إلا أن ما حصل هو العكس تماماً، حيث رفضت "أحرار الشام" هذه "البيعة"، لا بل ذهبت إلى تكذيب ما نقل على لسان متحدث باسم "فتح الشام"، عبر التأكيد بأنها تمت من دون التشاور معها أو أخذ موافقتها، مع العلم أن الجبهة كانت قد أعلنت أنها وافقت على هذه "البيعة" ضمن شروط محددة، قبل أن تعود لتقبل بما يشبه نصف "البيعة"، أي تلك المتعلقة بـ"الأفراد ممن اعتزلوا القتال مع الخوارج وليس بيعة التنظيم ككل".
بالنسبة إلى المصادر نفسها، وضعت "فتح الشام" نفسها، من خلال هذه الخطوة، أمام مخاطرة كبيرة، فهي لم تنجح حتى الساعة في تحقيق الأهداف التي دفعتها إلى الإعلان عن "فك الإرتباط" عن تنظيم "القاعدة"، لتجد نفسها أمام تحالف مع تنظيم تم تصنيفه من قبل الولايات المتحدة مؤخراً "إرهابياً"، وأغلب الفصائل المعارضة تتهمه بالتنسيق مع "داعش" والوقوف وراء عمليات الإغتيال التي تعرضت لها قيادات بارزة فيها، وبالتالي كان الأفضل لها منذ البداية الذهاب إلى إعلان تضامنها مع "أحرار الشام"، لكنها تشير إلى أن قيادة الجبهة أدركت على ما يبدو أن قرار تصفية "الجند" ليس من بنات أفكار قيادة الحركة، بل هو تلبية لطلب الجهات الداعمة لها، لا سيما الحكومة التركية، وبالتالي من الممكن أن تكون هي الهدف المقبل.
من وجهة نظر هذه المصادر، "فتح الشام" تقوم عبر إحتضان "جند الأقصى" بخطوة إستباقية، بالرغم من وقوف "أحرار الشام" وباقي الفصائل إلى جانبها عند الإعلان عن إستهدافها بموجب الإتفاق الروسي الأميركي الذي لم يكتب له الحياة، معتقدة بأن الحركة لن تذهب إلى المواجهة الشاملة معها، نظراً إلى أن نتائجها غير محسوبة، وهي سبق لها في الأصل أن فضلت الصمت على العديد من التجاوزات التي قام بها "الجند" في وقت سابق، فكيف هو الحال بالنسبة إلى الجبهة، إلا أنها قد تكون وقعت في خطأ تقدير اللحظة الإقليمية والدولية التي تمر بها سوريا والمنطقة، فاليوم، خصوصاً "أحرار الشام"، يحضر نفسه لمرحلة المفاوضات السياسية، التي ستنطلق في نهاية المطاف بالرغم من التجاذب القائم بين موسكو وواشنطن.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، بات هذا الصراع، بين "جند الأقصى" و"أحرار الشام"، أمام جملة من السيناريوهات لا يمكن التكهن أي منها سيتحول إلى أمر واقع: عودة الحركة إلى الإلتزام بالتهدئة بعد حل "الجند" نفسه وإنضمامه إلى "فتح الشام"، تراجع الجبهة عن قبول البيعة التي منحت لها بالرغم من التداعيات السلبية لمثل هذا الأمر، توسع رقعة المواجهات إلى قتال بين "أحرار الشام" و"فتح الشام" ستكون له نتائج كبيرة على مسار الأزمة السورية.
وعلى الرغم من أن المصادر المطلعة تقلل من إحتمال الذهاب إلى السيناريو الثالث في الوقت الراهن، تشير إلى أن من غير الوارد إستبعاده من اللائحة، خصوصاً أن التنافس والإختلاف بين الجانبين واضح ومعروف منذ زمن طويل، وهو سيقود في نهاية المطاف إلى المواجهة، لا سيما في ظل فشل مشاريع الإندماج بينهما، لكنها تتوقع أن لا يكون هذا الأمر في وقت قريب.
في المحصلة، ستكشف الأيام القليلة المقبلة المسار الذي ستسلكه المواجهات بين "جند الأقصى" و"أحرار الشام"، لكن على ما يبدو هي لن تكون الأخيرة بين الفصائل المتحالفة مع بعضها البعض، بل يمكن القول أنها مجرد البداية.