عند الثانية صباحا من يوم الخميس في 26 آذار عام 2015 انطلقت "عاصفة الحزم" السعودية على اليمن، فشنّت الطائرات السعودية هجماتها بكثافة، واعلنت انها انتصرت في غضون أقل من شهر. في 21 نيسان 2015 أشارت القيادة السعودية الى انتهاء "الحزم" وبدء "الأمل"، ولكن الوقائع اثبتت عكس ذلك، والحرب على اليمن مستمرة، وكلفتها على المملكة تزداد.
يحلل كثيرون في أوضاع المملكة العربية السعودية ماليا، ويتباحثون في أسعار النفط وتأثيرها على الدخل القومي وحجم الإحتياطي النقدي وأسعار الأسهم في سوق البورصة، وكلها أمور بحاجة لاختصاصيين ليفقهوا أمرها ويحللوا نتائجها، ولكن للكشف عن حالة الوضع السعودي الإقتصادي بطريقة سهلة للفهم يكفي التطرق لعدد من المشاريع التي توقف العمل بها في المملكة منذ ما بعد الحرب على اليمن وانخفاض أسعار النفط عالميا، ليتبيّن ان "تغيرا" ماليا خطيرا يحصل هناك.
يكشف مصدر متابع لما يجري في السعودية أن المملكة تخطّت مرحلة الاستنزاف المالي ودخلت مرحلة "المرض"، فالحرب على اليمن وتمويل جماعات تابعة لها في العراق وسوريا وتسليحها، والتركيز على صفقات الأسلحة وبأرقام خيالية، أثّرت كثيرا على "الخزينة" السعودية، مشيرا الى ان مجلة "فورين بوليسي" الأميركية نشرت منذ عام تفاصيل تكلفة الحرب السعودية على اليمن، بحيث وصلت الكلفة الى 725 مليار دولار اميركي، فكيف الحال اليوم بعد مرور عام إضافي عليها؟ ويضيف عبر "النشرة": "نبدأ الحديث عن مدينة جدّة التي تعتبر مركز تواجد الأجانب في المملكة وهي التي تخف فيها القيود المفروضة على العيش، فيُسمح للنساء بالتجول دون حجاب وفيها تُفتح البحور "المختلطة"، فنجدها تعاني اليوم من هجرة الأجانب وبالتالي المشاريع منها، فمنذ عامين لم يكن يوجد في جدة شقة متاحة للإيجار، أما اليوم يكفي التجول في شوارعها لمعرفة الأعداد الضخمة للشقق المعروضة للإيجار".
ويشير المصدر الى أن المملكة تعمد الى صرف أموالها في الحروب حصرا فكانت بحاجة الى حوالي 30 مليار دولار في الشهر الواحد في بداية الحرب، وهي قامت مؤخرا بإجراء صفقة اسلحة من الولايات المتحدة الاميركية بقيمة فاقت المليار دولار أميركي. ويضيف: "ان كل هذا الصرف أدى لتوقف العمل في المشاريع التي كانت قائمة منذ عامين، وأبرزها مشروع توسعة الحرم المكّي، ومشروع "قطار الحرمين السريع"، والمشروع الأكبر الخاص بـ"البنى التحتية" مما يعطي صورة بسيطة عن وضع السعوديّة المالي". ويتابع المصدر: "قلصت هيئة الحج العام الماضي حصة لبنان من الحجيج بحجة مشروع "توسعة الحرم المكي"، وكان وقت التنفيذ لا يزيد عن السنة، وكان الوعد بأن تُعاد حصة لبنان العام الجاري، ولكنها بقيت على حالها فمشروع "التوسعة" توقف بسبب عدم استكمال المخصّصات الماليّة له، كذلك هي حال مشروع "قطار الحرمين السريع" وهو مشروع خط سكة حديدية كهربائي يربط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنوّرة مروراً بمدينة جدّة بطول 480 كم، وكان يفترض ان تنتهي الاعمال الإنشائية وينطلق العمل به مع بداية العام الجاري، الا انه تأخر بعد توقف العمل بالمشروع بسبب عدم توفر الاموال أيضا".
أما بالنسبة لمشروع البنى التحتية فيشير المصدر الى ان المملكة صرفت منذ العام 2008 حتى العام 2014، مبلغ 400 بليون دولار على مشاريع البنى التحتية، ورغم ذلك قررت منذ عامين اعادة تنفيذ شبكة كاملة من البنى التحتية في كل مناطق السعودية، فانطلق العمل ولكنه توقف بطلب الملك السعودي في أيلول الماضي، حيث شدد في رسالته آنذاك الى وزير المالية على ضرورة الوقف الفوري لكل مشاريع البنى التحتية الجديدة، ولذلك تجد اليوم في شوارع السعودية مشاريع متوقفة وحفريات انتهى العمل بجزء منها فقط.
لم تعد خافية الإجراءات التقشفيّة التي تتخذها حكومة السعودية لمحاولة ضبط الإنفاق، وما كنا نظنه مستحيلا أصبح واقعا، فالمملكة العربية السعودية تعاني من عجز وبدأت باستنزاف المخزون المالي الضخم الموجود لديها. الحرب في اليمن شكلت مستنقعًا من الوحول وقعت فيه وهي تواجه اليوم صعوبة للخروج منه، وما يزيد "الوحل" بلّة هو قانون "جستا" الاميركي(1)، حيث من المتوقع ان يكون هدف هذا القانون "افلاس السعودية"، فهل بات "الانهيار" واقعا؟
(1)قانون جستا قانون أقرّه مجلسا الشيوخ والنواب في أميركا، وهو يتيح لأسر ضحايا هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة المطالبة بتعويضات من الحكومة السعودية.