أقرّ مفتي راشيا السابق الشيخ بسام الطرّاس بارتباطه بتنظيم «الدولة الإسلامية». إذ تبين أن الرجل الذي استنفر أهل السياسة والقضاء ورجال الدين لإخراجه، على علاقة بأخطر الإرهابيين الذين نفّذوا عدداً من التفجيرات الانتحارية في لبنان
رضوان مرتضى
لم تُفلح كل محاولات الضغط السياسية والشعبية في إجهاض إنجاز الأمن العام الذي أوقف الشيخ بسام الطراس، عشية عيد الأضحى، للاشتباه في ارتباطه بـ «متفجرة كسارة» في زحلة في 31 آب الماضي. «انتفاضة» أهل السياسة والقضاء التي أفلت الطرّاس بسببها بعد توقيفه في المرة الأولى، لم تشكّل حصانة كافية لحمايته لاحقاً. كذلك فإنّها لن تستطيع إبقاءه حرّاً بعد اليوم، بعدما تبين أنّه من «الاستثنائيين» في عالم الإرهاب.
فقد كذّبت مستجدات التحقيقات بيان النيابة العامة العسكرية الذي نُشر لتبرير إطلاق سراح الطرّاس، والذي كان قد أكّد أنّ «المعلومات التي جرى تناقلها لجهة أن المدعو «أبو البراء» هو المدعو محمد قاسم الأحمد غير دقيقة»، إذ عاد الطرّاس واعترف بأنّه على علاقة مع «أبو البراء» الذي يعلم أنّه هو نفسه محمد قاسم الأحمد، العقل المدبّر لخلية الناعمة ولسيارة الرويس المفخخة ولـ «متفجرة كسارة». لكنه قال إنّها «علاقة اجتماعية فقط». كذلك فإنّه لم يستطع أن يتنصّل من معرفته بالمطلوب الأخطر محمود الربيع الذي اجتمع في منزله في تركيا مع الموقوف علي غانم، العنصر التنفيذي الرئيسي في «متفجرة كسارة». فغانم اعترف بأنّ «أميره» الذي أعطاه الأمر بالضغط على زر التفجير هو «أبو البراء». ولما سُئل عمّن يكون، ردّ بأنّ الطرّاس عرّفه إليه. أما الربيع، فهو العنصر الرئيسي في العملية الانتحارية التي استهدفت السفارة الإيرانية.
هكذا كشفت المصادر الأمنية أنّ الطرّاس كان على تواصل مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، عبر اثنين من أخطر المطلوبين اللذين نفّذا عدداً من التفجيرات الانتحارية في الداخل اللبناني. غير أنّه لم يُقرّ بعلاقته بـ «أبو الوليد السوري»، مسؤول العمليات الخارجية في تنظيم «الدولة»، المشرف الرئيسي على هجوم برج البراجنة الانتحاري وهجمات باريس السنة المضية، علماً بأنّ هذا الارتباط مُثبت بالدليل القاطع من خلال داتا الاتصالات الخاصة برقمي الطرّاس والسوري.
ليل الأحد، في أيلول، تُرِك الطراس بوساطة. أُخلي سبيله رهن التحقيق واحتُجز جواز سفره كي يقضي عطلة عيد الأضحى برفقة عائلته، على أن يمثل أمام القضاء في من الشهر نفسه، بناءً على إشارة مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجّار. استُحضر الطرّاس مع هواتفه الخلوية، ليُستدلّ من خلالها على طرف الخيط الذي أوقع به. إذ عُثر في هاتفه على تطبيق اتصال مشفّر. وبعد أخذٍ ورد، اعترف بأنّ شخصاً مرتبطاً بتنظيم «الدولة» أعطاه إياه للاتصال الآمن. كذلك عُثر على بطاقة ذاكرة مشفّرة في هاتفه أثناء مثوله للتحقيق في المحكمة العسكرية. وذكر أنه زوِّد بها في آب 2015. غير أنّه لم يُعطِ المحققين الأرقام السرية لفتح التطبيق أو الذاكرة، من دون أن يُعرف إذا ما كان ضباط القسم الفني في فرع المعلومات قد تمكنوا من فك شيفرتها.
وقد يكون اختيار فرع المعلومات لاستكمال التحقيقات مع الطرّاس، من زاوية سياسية، انطلاقاً من أجواء الشحن الطائفي والتسييس التي ترافقت مع توقيفه الأول، نظراً إلى طبيعة الدور الموكل به. ورغم إشارة المصادر الأمنية إلى أنه لم يثبت تورط الطراس في أي عملية أمنية بعد، كشفت أنّ دور الرجل يتجاوز لبنان، ولا سيما لناحية علاقته بشخصيات قيادية في أكثر التنظيمات تشدداً، ومنهم أبو الوليد السوري، المرتبط مباشرة بـ «أبو محمد العدناني»، المتحدث الرسمي السابق لتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان الرجل الثاني بعد البغدادي في الفترة الأخيرة قبل مقتله.
انطلاقاً مما سبق، تذهب الترجيحات إلى القول إنّ الطرّاس متورط بشبهة التواصل مع تنظيم «الدولة الإسلامية». لكن، هل يُعقل أن يرتبط شخصٌ واحد مع ثلاثة من أخطر الإرهابيين، المتورطين في أكبر تفجيرات التي هزّت لبنان، ويكون بريئاً؟ وكيف يُعقل أن يكون مشتبهاً فيه بجرم التواصل مع تنظيم إرهابي ويُبرّأ من التورّط في العمليات الأمنية؟ وكيف يُعقل أن يعترف شخص بارتباطه بأكثر التنظيمات تشدداً وحمله الفكر نفسه وتُغسل يداه من دماء المدنيين الأبرياء؟