على الرغم من كل التحضيرات السابقة، الّتي قادتها الولايات المتحدة، لإطلاق معركة الموصل لتحريرها من تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى أهميّة هذا الإنجاز على المستوى الداخلي الأميركي، يبدو أن الإنقسامات العراقية والإقليمية ستقود إلى عرقلتها من جديد، خصوصاً بعد إرتفاع مستوى التوتر بين بغداد وأنقرة إلى حدود غير مسبوقة، بسبب رغبة الحكومة التركية في المشاركة في هذه المعركة، بغض النظر عن الإعتراضات التي أبدتها الحكومة العراقية بقيادة رئيسها حيدر العبادي.
في الوقت الراهن، يمكن الحديث عن مجموعة من العوامل المتداخلة في هذه المعركة، أبرزها الصراع التركي العراقي، الذي وصل إلى حد رفع بغداد القضيّة إلى مجلس الأمن الدولي، مقابل تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده ستشارك في المعركة ولو كان ذلك بالقوة، لكن هذا لا يلغي أهمية التجاذبات المحلية حول باقي الفصائل التي من المفترض أن تشارك في محاربة "داعش"، أبرزها الإعتراضات التي تبديها بعض العشائر العربية، المدعومة من أنقرة، على أي دور لقوات "الحشد الشعبي"، المدعوم من الجمهورية الإسلامية في إيران، من دون إهمال الخلاف حول دور عناصر حزب "العمال الكردستاني"، التي تعارض تركيا وإقليم كردستان العراق أي وجود لها في هذه المواجهة.
من هذا المنطلق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن كل المعطيات كانت توحي بأن هذه المعركة ستنطلق في وقت قريب، لا سيما بعد الإتصالات والمشاورات التي قامت بها الولايات المتحدة على هذا الصعيد، والتي ظهرت بشكل جلي من خلال الزيارة التي قام بها رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني إلى العاصمة العراقية بغداد، لكنها تلفت إلى أن كل المؤشرات الإيجابية تراجعت على ما يبدو، حيث تبرز العديد من المعوقات على المشهد العام، نظراً إلى أن الحرب الحقيقية ليست على الإرهاب بل حول من يرث هذا الإرهاب، أي بمعنى آخر من يتولى السيطرة على المناطق التي يتم تحريرها من "داعش"، وتضيف: "حتى الساعة ليس هناك من إتفاق بين مختلف الأفرقاء الإقليميين والمحليين الراغبين في خوض غمار هذه المعركة".
من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن إنطلاق معركة بحجم الموصل في ظل الوقائع الحالية، حيث من المرجح أن تندلع مواجهات بين مختلف اللاعبين مباشرة في اليوم الثاني من التحرير، في حال لم تندلع قبل ذلك، وتشير إلى أن العديد من الفصائل العراقية باتت تطلق التهديدات ضد قوات الجيش التركي المتواجدة في معسكر بعشيقة، وتصفها بالقوات "المحتلة" التي من الواجب مقاومتها، في حين تذهب فصائل أخرى بقيادة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي إلى الإعلان عن رفضها لمشاركة "الحشد الشعبي" في تحرير الموصل، وتعتبر، بالتحالف مع قوات "البشمركة"، أن من حق أنقرة المشاركة في هذه المواجهة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن من المؤشرات على عدم إمكانية إطلاق هذه المعركة في وقت قريب، هو الإعلان مؤخراً عن وضع خطط التدريب والتسليح لأبناء العشائر العربية في المحافظة، ما يعني أن هذه العملية لا يمكن أن تبدأ قبل الإنتهاء من هذه التدريبات، خصوصاً أن بعض المكونات تتحدث عن أن الموصل قد تقود إلى تقسيم العراق في حال لم يتم إدارة المعركة بشكل جيد، وتعتبر أن هذا الأمر يضع الولايات المتحدة في "ورطة" حقيقية، نظراً إلى أنها الفريق الأكثر حماسة لتحقيق إنتصار عسكري ومعنوي على "داعش" في هذا التوقيت، وتشدد على أنها لا تبدو قادرة على معالجة الخلافات، في ظل العلاقات المتوترة مع أنقرة، منذ الإنقلاب العسكري الفاشل، بالإضافة إلى تناقض المشاريع الإقليمية على نحو غير مسبوق.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، تطرح المصادر جملة من التساؤلات التي لا يمكن الإجابة عنها حتى الساعة، حول إمكانية تأخير المعركة بسبب التوتر التركي العراقي، خصوصاً بعد خروج أردوغان عن لغة التخاطب الدبلوماسي مع العبادي، بالإضافة إلى موقف الولايات المتحدة من هذه التطورات وقدرتها على معالجة الخلافات، وتضيف: "الأيام القليلة المقبلة ستكشف المسار الذي ستسلكه الأحداث، لكن الأكيد بات أن هذه المعركة لا يمكن أن تنطلق في الأيام القليلة المقبلة".
في المحصلة، أعادت الخلافات حول معركة الموصل مشهد الصراع حول وراثة "داعش" إلى الساحة الإقليمية من جديد، لتكشف معها عن صراع المشاريع والمصالح الإقليمية والدولية، فأي منها سينتصر؟